يعزف الإيمان العظيم على وجدان المرء أنشودة الأمل الجميلة، فتنتشي النفس المحطمة وتطرب أيما طرب، كيف لا وهو الأمل تلك الشعلة النوروانية التي تقود التائهين على دروب الزمن للتحليق نحو ثريا الأحلام التي ستسقيهم ذات يوم سلسبيلا، بعد أن باتت أحلامهم بالنسبة لهم مجرد سراب مستفز، ولئن كان الربيع بألوانه الزاهية يعمل على تفتيح براعم الأزهار، فإن الأمل هو الآخر يفتح مغاليق النفس البشرية المحبطة اليائسة ويبث فيها الرياحين الرائعة بعد ان كانت خاوية على عروشها تكاد تؤدي بصاحبها الى الهلاك .. إن هذه الفسحة من الأمل لهي بحق هبة ربانية ضرورية جدا لبني آدم حتى يتمكنوا من مواصلة المسير نحو غاياتهم مهما اشتدت عليهم عثار الحياة، فبعد العسر يسرين دائما …
يقول معلم الإنسانية النبي” محمد” صلوات ربي وسلامه عليه في الحديث المشهور “تفاءلوا بالخير تجدوه”، إن هذه الدعوة لهي أكبر دليل على أن الأمل هو قاعدة حياتية يجنح إليها بنو البشر لا محالة وهم يستقبلون أقدارهم فوق هذه البسيطة الرحبة ..وتلك هي حياة أسلافنا التي لم تكن حديقة ورود غناء طبعا، لكنهم قابلوا ضراء هذه الحياة بأخذ جرعات لا تنتهي من الأمل، بل إن عظمة العلماء في القرون التي خلت لم تأت من غزارة علمهم فحسب، بل أيضا من تجلدهم وتحملهم المستميت لصنوف المحن والنوائب، فحققوا الإنجازات الكبيرة التي استفادت منها البشرية جمعاء، ناهيك عمن لم يفارفهم الأمل وهم يواجهون أقسى الظروف في عصرنا الحديث وما أكثرهم …
يقال إن أجمل وأروع هندسة على الإطلاق هي ان تبني جسرا من الأمل على نهر من اليأس، ولقد صدق القائل، فإن هذا الجسر الجميل لا ريب سيدفع المرء الى الحياة دفعا ممتعا يجعله يقطف الثمار اللذيذة و لو بعد حين، سيما إذا كان هذا الأمل نتيجة الثقة اللامحدودة في الله فهو لعمري أزكى أمل كما يري الرافعي ” ..
كما لا يجب أن نغفل عن مسألة مهمة تكمن في ان التشاؤم والقنوط قد يلج بصاحبه إلى نفق المهالك والأسقام، فكل الأبحاث العلمية تؤكد جميعها على إن نصيب الإنسان المتشاءم من الصحة ضئيل جدا مقارنة بالمتفاءل صاحب الأمل فصحته دائما في أحسن حال …لذلك فعلى الرغم من أن رياح اليأس لها قوة لا يمكن وصفها، إلا أن جبال الأمل لها صلابة لا مثيل لها، و ما لا يقتلك يقويك كما تقول الحكمة المعروفة …
أخيرا، يقول محمود سامي البارودي: فقد يستقيم الأمر بعد اعوجاجه ..وتنهض بالمرء الجدود العواثر ….لذلك علينا دوما ان نتسلح بالأمل ونسارع الى ركوب قطار المتفائلين ..فوراء كل ليل حالك فجر باسم.
—————–
* كاتبة من الجزائر.