الأوطان ليست سلعًا أو أموالًا تطرح أسهمها في ساحات المضاربة، الأوطان ليست تحفًا أو أنتيكات تعرض بقاعة مزادات لكي تباع لمن يشتري بأعلى ثمن، الأوطان أصول وجذور، أرض وسماء، أنهار وبحار، قصور ومعابد، كنائس ومساجد، صحراء وحدائق وطبيعة ساحرة.
الأوطان -حياة- شرايين ودماء، عقيدة وإيمان، أحداث ومواقف، وعلامات زمن. علمونا في مدارسنا حينما كنا صغارًا أن الوطن أغلى من كل غال، وأننا كأبناء له علينا أن نهب لنجدته والدفاع عنه وقت شدته؛ لحمايته من الأخطار والمحن -دون- انتظار لإملاء شروط ودون الحاجة لإلقاء قسم.
عهدنا معلمينا ومعلماتنا يتغنون بحب بلادنا، يدمجون محبتهم لها في عرضهم لمحتوى دروسنا، كانوا يصوغون محبتها ألحانًا لتسكن وجداننا، تقيم بداخلنا مهما طال بنا العمر أو امتد الزمن. كان سماع اسم مصر يطربنا، يسعدنا ويبهج نفوسنا، فمصر كانت بالنسبة لنا هى الواقع والخيال، الممكن وسط المحال،العلم والفن، أصول الدين واللغة.
نحن جيل نشأ على سماع حكايات البطولة والفداء لأبطال بواسل صنعوا النصر وسطروه بأيديهم فوق أرض سيناء الحبيبة، عطروها بدمائهم الزكية وأرواحهم الطاهرة، كنا نقف في أفنية مدارسنا ثابتين واثقين نحفظ لها هيبتها وقدرها، ترتفع أعناقنا حتى السماء فخرًا بعزها ومجدها حين نردد نشيدها، حبنا لها كان حادًا واضحًا قاطعًا -كإيماننا- لا يقبل شك.
علمونا في بيوتنا المتواضعة أن حب الأوطان من الإيمان، فهو لا يرتبط برفاهية عيش أو وفرة نعم، وبأننا عندما نستمع لندائه وقت عثرته نتسابق لنجدته، فنتحول لجنود لا تخش الموت. كانت قلوبنا الصغيرة تباهي به وبحبه كما تباهي بأن أول درس تلقيناه في مدارسنا كان عنوانه”حب الوطن”.
- كاتبة صحفية.