لا إخالُ هذا الثقيلَ إلا كائنًا قد تجرَّد منه الشعور، وعافه الجمهور وانطوَت عنه نفسه لولا خشية الملامة لتنصَّلتْ منه كما يتنصّل الحُسام من غِمدِه والحِرباءُ -هروبًا- من لونها، لا شاغِل يُلهيه غيرَ الوُثوب على شئون غيره، مستملِحًا في ذلك سَيره، طَروبًا لا يأبه ضَيرَه !
فوالله ما أراه إلا خُذلانًا ونِقمة وبَلاءً يَستدفِعُ به نعمة !
إذ لو فطِنَ لانصرف لشأن خاصَّةِ نفسِه، يُقلِّمُ شرورَها و يُهذِّبُ طباعها، فيزجرُها عن طوارقِ شُغلها بما يُؤذيها لِيَسوقها سَوْقًا رفيقًا إلى سُبلِ نفعها ومنابعِ رُقيّها وعلوّها، هي منابعُ سماويَّة المعنى والغاية
ورحم الله الشافعيّ حين قال :" إنّ الثقيل ليجلس إلي فأظن أن الأرض تميل في الجهة التي هو فيها ! "
ملفوظٌ هو الثقيل في كل قُطر وعَصر، ولمَ لا يُلفظ وقد عُدَّت مُجالسته من عِلل الكَدر ومَجالِب الضَّجر، من لوازِم الإنابة ومُوجبات الإستعاذة !
لله درّ ابن القيم حاذقٌ طبيبٌ فَذٌّ لا يُبارى في ميدان القلوب، يَشفِي تحيُّرك في أمرِ المذكورِ فيقول : " إذا ابتليت بثقيل، فسلم له جسمك، وهاجر بروحك، وانتقل عنه وسافر، وملِّكهُ أذنٍا صمّاء، وعينًا عمياء، حتى يفتح الله بينك وبينه. "
" ولا تُطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمرهُ فُرطا ".
إذن هاجِر !
هــاجِر بروحك رقَّهـا لِسماءِ *** واربأ بها عن عالم الثُّقــلاءِ
واحذر مُخالطةَ الثَّقيل فإنه *** مُتمكِّنٌ في الصرفِ والإغواءِ
غِرٌّ وسوء الطبع فيه جِـبلَّـة *** لا يرعَوي كالصخرِ فوق الماءِ
فكُن الفطين وصُن لِروحكَ جوهرًا *** تسمو به عن هذهِ الأدواءِ
واطلب سلامةَ أصغَريْك تنلْ بهم *** ياصاحِ كلَّ كرامــةٍ وعــلاءِ