ليس كلُّ من ينصحك قوياً أو معصوما من الخطأ.. هو فقط خارج نطاق المشكلة… خارج الموقف لاتسيطر عليه الضغوطات. فينصحك بعقلٍ كامل مجرّد عن العواطف والأهواء….. ولو دارت الأيام ووقعوا في نفس الموقف سيحتاجون أيضاً من ينصحهم حتى لو كانوا على علمٍ ودراية!!…لأن العقل يعلم ولكنه قد يغيب تحت تأثيرٍ ما….فالله عز وجل يقول { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } فمهما بلغ العبد من العلم والحكمة والإيمان مابلغ؛ سيحتاج إلى مَن يُذكِّره ويردد الأقوال الطيبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علي مسمعه…واعلم أيها المسلم أن النُّصح لايقتصر علي العاصين فقط. بل تأمل قول الله تعالي في الآيه (تنفعُ المؤمنين) وفي هذا إشاره أنّ النصح والتذكير لايقتصر على كونه للعاصين فقط بل قد يغيب عقل المؤمن تحت تأثيرٍ وضغوطات …
ولكى يكون النُّصح أوقع في النفس يجب على الناصح أن يكون مثالاً طيباً يُقتدى به…فإذا نصح؛ لابد أن يفعل ويُنفذ ماينصح به؛ ويطبقه على نفسه أولاً…. فالله عز وجل يقول مُعاتبا مَن قال القول وأحسنه بلسانه وترك العمل الذي يصدُق به القول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ.. كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)) أي كبر مقتكم مقتاً وعظُم كرهاً عند ربكم أن تقولوا القول ولا تصدقونه بالفعل….
ولكن أحيانا قد ينصحك غيرك ويفعل عكس ماينصحك به.. كمدخن مازال مستمراً وينصح غيره ألاّ يدخن… هو فقط يعلم أنه أخطأ ولكنه إنجرف؛ ولكي يعود يحتاج إلى جهادٍ كبيرٍ مع نفسه التي دائماً ماتقاومه مُقاومة العدوِّ المتربص لعدوهِ عن قربٍ.. ولقربها منه تنتصر هي دائما لأنها تعرف خبايا نفسه ونقاط ضعفه.. .. فعندما يراك في بداية الطريق؛ يُلِحّ عليك أن تعود قبل أن تشعر بما يشعر هو به. فلا تعاتبه لأنه ينهاك ولا يستطيع أن ينهي نفسه؛؛فربما أحبك أكثر من نفسه.. وأراد أن يُوفّر عليك آلام الإقلاع…