مسقط- سيلينا السعيد
مهند العاقوص: كاتب وإعلامي مبدع في أدب الطفل والمسرح
مهند العاقوص كاتب سوري بارز في أدب الطفل والمسرح، يحمل رؤية إبداعية تسعى إلى غرس القيم الإنسانية في نفوس الأجيال الصاعدة. بدأ رحلته الأدبية منذ سن مبكرة، متأثراً بحبه للحكايات والأسفار الثقافية، ليصبح اليوم واحداً من الأسماء اللامعة في مجال الكتابة للأطفال.
تميز مهند العاقوص بأسلوبه العميق والبسيط في آنٍ واحد، حيث يدمج الفلسفة بالحكاية، ويستلهم من الطبيعة والفنون والموروث الشعبي مواد غنية لصياغة نصوصه. فاز بالعديد من الجوائز الأدبية، من بينها الجائزة الأولى في مسابقة الهيئة العربية للمسرح عن مسرحيته يتيم الغاب، التي تجسد عبر شخصيات غير تقليدية من عوالم الحيوان معاني إنسانية راقية.
إلى جانب أعماله الأدبية، عمل مهند العاقوص في الإعلام، وساهم في إعداد البرامج الثقافية التي تهدف إلى تعزيز القراءة والإبداع بين الأطفال واليافعين. كما صدرت له كتب ومسرحيات تعكس اهتمامه العميق بالحكمة والفلسفة، مستلهماً من أعمال كبار الأدباء مثل تولستوي وهمنغواي وباولو كويلو.
يؤمن بأن الكتابة للأطفال مسؤولية كبيرة، تتطلب وعياً بقيم المحبة والتسامح والانتماء الإنساني، ولهذا يحرص في أعماله على تقديم نصوص تخاطب الطفل في كل مكان وزمان، ساعياً إلى إضاءة العقول الصغيرة بحكايات تحمل في طياتها الأمل والمعرفة.
صينية القش ليست قطعة أثاث، بل رمزًا للكرم والألفة والعطاء، حيث تجتمع العائلة حولها كما يلتف الأطفال حول مدفأة في ليالي الشتاء. تلك الصينية لم تكن مجرد أداة لتقديم الطعام، بل كانت تشبه حضن الجدة الدافئ، تحمل رائحة الخبز وقصص الزمن الجميل. اليوم، بعد سنوات طويلة، لا يزال الحنين يشده إليها، كما يشتاق الطفل إلى حضن ، لا للحليب فقط، بل للهدهدات التي تغمره بالطمأنينة.
الحيوانات.. أبطال غير تقليديين للحكايات
منذ الصغر، وجد في عالم الحيوانات مصدرًا خامًا للقصص، مليئًا بالقيم والرموز العميقة. أحب الليمور، ذلك المخلوق الظريف ذو الذيل الطويل والقفزات المرحة، حتى أنه جعله بطلًا لمسرحيته الأولى “يتيم الغاب”. لم يكن اختيارًا عبثيًا، فالحيوانات في أدبه ليست مجرد كائنات ثانوية، بل أبطال يقدمون للعالم دروسًا في الحكمة والصداقة والوفاء. كتب عنها مئات النصوص، محاولًا إضفاء بعد فلسفي وإنساني على حكايات الطفولة، حيث تصبح الغابة مسرحًا للحياة، والحيوانات مرآة للبشر.
ألوان القمح والعشب.. حكاية الأرض والانتماء
بين الأخضر والأصفر، وجد الكاتب نفسه. الأخضر يعيده إلى جذوره القروية، تلك التي يشعر أنه ينتمي إليها رغم تباعد الزيارات، وكأنه عشب موسمي يعود كلما نادت الأرض أبناءها. أما الأصفر، فهو لون القمح الذي كان يحصده في صغره، قبل أن يركض فوق البيادر، كأنه يحصد الحياة بأكملها. في أعماقه، يسكن منجل خفي، لكنه لا يحصد السنابل، بل الحكايات، يجمعها من كل أرض، لينسج منها نصوصًا تنبت بين سطورها أعشاب خضراء وحقول ذهبية.
بين تولستوي وهمنغواي.. البحث عن الحكمة
الحكمة، في نظره، ليست جملة عابرة تُقتبس، بل نورٌ ذائب في ماء النص الأدبي، يتسرب بين السطور دون أن يُرى، لكنه يُحسّ. أحب تولستوي لحكمته العميقة، وهمنغواي لقدرته على استخراج الفلسفة من البساطة، كما فعل في “الشيخ والبحر”. وكذلك وجد في “الخيميائي” لباولو كويلهو حكمة مسافرة، تمشي مع الريح، تهمس للأرواح التائهة بأن القدر ليس إلا مرآة لما نختزنه في قلوبنا.
أكتب لكل أطفال العالم.. وأحمل أوطانًا في كلماتي
عندما يكتب، لا يكتب لطفلٍ بعينه، بل لكل أطفال العالم. يؤمن بأن الأرض وطنٌ واحد، يسكنه شعب واحد، وأن الأدب الحقيقي قادر على عبور الحدود دون تأشيرة. لكنه، في الوقت ذاته، يكتب للكبار أيضًا، وتنعكس ذاته في نصوصه، وكأن الكتابة ماءٌ، تعكس خياله أحيانًا، لكنه يسعى إلى تمويه هذا الخيال، حتى لا يصبح أسير ذاته، بل قادرًا على التعبير عن الآخرين.
دمشق.. السيف الذي صقل الكاتب
يعود إلى دمشق، المدينة التي علمته أن الأدب ليس في الكتب فقط، بل في الأسواق، في حديث الباعة، في إتقان الحرفيين، في الصدق والنظافة التي تغسل الروح قبل اليد. لم تكن دمشق مجرد مدينة درس فيها، بل كانت المعلم الأول، الصائغ الذي صقل روحه كما يُصقل السيف الدمشقي، ثم أطلقه إلى العالم سفيرًا للمحبة والأخلاق والإبداع.
مسقط.. التربة الخصبة التي أنبتت الإبداع
وكما كانت دمشق المدرسة، كانت مسقط الأرض الخصبة التي آمنت بموهبته. هناك، وجد العدل والسلام والمحبة، فذاب جمال عُمان في روحه، كما يذوب الفلج في الأرض، ليمنحها الحياة. ومن هذا الذوبان، تفجرت ينابيع الإبداع، فكانت القصص والمسرحيات والروايات، وكلها تحمل شيئًا من روح مسقط ودمشق معًا.
بين عاصمتين.. أتنفس الإبداع
اليوم، وهو يتنقل بين دمشق ومسقط، يشعر وكأنه يملك رئتين يتنفس بهما عطر الإبداع، واحدة تحمله إلى الجذور، والثانية تدفعه إلى المستقبل. لكن في كل رحلة، يحمل معه حقيبته الأهم: الحكايات. تلك الحكايات التي كانت خبزه في الطفولة، والتي صارت زاده في الحياة.