الخميس , 28 مارس 2024

مرفت العريمي تكتب: مَطَبٌّ الحي..!

= 1152

 

Mervat Oraimy 2
 
قرر أصحاب المركبات المتضررة تقديم الشكاوى على  مطبّ الحيّ الذي لا يتوانى في التسببِ في إهلاك مركباتهم وتعريضِ حياتهم للخطر فلا يمرُّ يوم إلا وتقعُ حوادث مميتة نتيجة  السرعة الهائلة لقائدي المركبات الذين يفقدون السيطرة على مركباتهم المتهالكة أمام ذلك "المطب " العنيد علما بأن هناك إشارة واضحة لوجود المطبّ  لكن لا حياة لمن تنادي  فالطبيعيّ من وجهة نظرهم أن يسوق أصحاب المركبات كما يحلو لهم وبالسرعة التي تناسبهم دون التقيد بالأنظمة  والملام الأول والأخير هو المطبّ الذي يؤرق  سكينتهم ويعكّر صفو قيادتهم.!  فالموت ثم الموت لذلك المطبّ االشرير!

قصة أخرى حول التفسير المطمئن، تحدثنا مع صديقة لي في إحدى اللقاءات اليومية وكانت تستشيرني في أمر يتعلّق بصحة العناية بالبشرة،  وسألتني إن كنت أعرف أخصائية جيدة في المدينة  فأرشدتها  إلى مجموعة من الأسماء الموثوق بها،  ثم قالت إنني أعاني من بثور والتهابات بالبشرة منذ فترة  فأخبرتها أن تستشير طبيبا مختصا، لا خبيرة تجميل فردّت علي بابتسامة مريحة، لا لا أحتاج إلى طبيب فما أعانيه من العين والحسد.. هكذا قالت لي إحدى اختصاصيات التجميل  ولا داعي  لطبيب  أو علاج طبيّ فأنا أدرى بعلاجي!! 

تعجبت من إجابتها  المريحة والتفسير الذي اختارته لمشكلتها  في تلك الأثناء تقاربتْ مني ومنها مجموعة من الزميلات اللاتي أيدن كلامها وأصبحن يقدمن مجموعة من التحليلات المطمئة والمؤيدة  لقرراها  وكانت مبتسمة وهي تسمع  الكلام المريح الذي اختصر المشكلة في  كلمة، وإن كنت على يقين أن الحقيقة قد تكون مغايرة  وتحتاج إلى أكثر من تفسير؛ فعادة ما نبحث عمن يُقدِّم لنا تفسيرا يريحنا ويخفف من وطأة الحقيقة ، فنغلق مسامعنا عن صوت العقل  وندير ظهورنا لمن يقول لنا الحقيقة المؤلمة ونلهث إلى من يُطرب مسامعنا بالكلام الطيّب اللذيذ خوفا من الاعتراف بالمشكلة، أو هروبا من واقع مؤلم، فنختار أن نقضي أيامًا؛ بل أعوام في غيبوبة الكلام المريح  وعلاج المشكلات بالوهم .

نحن لا ينبغي أن نلوم من يبحث عن بقعة مريحة في هذه الحياة الصاخبة المليئة بالمطبات المقلقة  في عصر كثرت  فيه الأحداث غير السعيدة، فقد أصبح الإنسان يخشى المجهول أكثر من أي وقت مضى، ويتجنب الأخبار التي تبعث اليأس والقلق ، وينفق أموالا طائلة بحثا وراء راحة البال واالنفس،  لكن المشكلة في  اعتماد على التفسير المريح لمعالجة القضايا المصيرية والتي تمسّ حياة الإنسان ومستقبله، فيتحول الأمر إلى عادةٍ يوميّة ومعيارٍ لمعالجة المشكلات العالقة كافة، وقد نصل إلى طريق مسدود متأزم يصعب تجاوزه.

التفسير المريح يتخذ أشكالا متعددة في حياتنا العامة والخاصة ولا يتوقف عند نقطة واحدة؛ فمثلا الإنسان البدين الذي يُعاني من آلام المفاصل يفضل أن يلقي باللوم على الطعام  اللذيذ الذي تُعده زوجته لا على قِلَّة نشاطة وحركته، وكذلك الموظف الذي اعتاد أن يؤدي عمله وفقَ حالته المزاجية  يتهم دائمًا  مسؤوله المباشر بأنه يضطهده  فورَ معرفته بنتيجة التقييم الوظيفيّ السنويّ في معيار قياس الأداء العام ولا يُلقي باللائمةِ على أدائه  السيء الذي أوصله إلى هذا المستوى.

إذن التفسير المريح لن ينقذك من المشكلة وسيجلب لك المزيد من المريحين  الذين يفضلون أن يقفوا في الطرف الآمن وأن يسمعوك ما تحبّ أن تسمعه لا ما يجب أن تعلمه  وقد يحقق لك التفسير المريح السعادة الوقتية والثقة بالنفس لكنه قد يجعلك تتخذ قرارات وتبني مشروعات وهمية لن تعود عليك إلا بالألم والخسائر وأكبر خطر قد يواجه المتبني للتفسيرات المريحه هو أن ينفي حياته ركضا وراء الأوهام  فتصبح كافة قرراتك الحياتية خاطئة.

إن التفسير المريح لن يمنع تكرار المشكلة  كما لم يمنعها من الحدوث سابقا؛  بل إنه قد يفاقم من المشكلة أكثر ويعمقها ويحولها إلى  مجموعة من المشكلات المعقدة .  يقول علماء النفس إن الإنسان يميل إلى تجنب الاعتراف بوجود المشكلة لأن ذلك يعزز الثقة بنفسه ويمنحه القوة  للاستمرار  في حين أن  الاعتراف بها  يساعده في تدارك تفاقم المشكلة.

إن التفسيرات المريحة قد تعيق تقدم المجتمعات وقد تسبب في تأخرها فالتخمين والتوقع غير المبني على الأسس والمؤشرات العلمية والملموسة قد تساهم في فشل البرامج والخطط الحيوية،  فعلى سبيل المثال عندما نخمن بأن سبب انخفاض إنتاجية الموظفين في قطاع (ما) هو عدم الرغبة في العمل فنقوم بزيادة الحوافز المادية دون إجراء دراسة علمية بحثا عن الأسباب الحقيقية للمشكلة ومعالجتها من جذورها نكون قد ساهمنا في خلق مشكلة أخرى من دون قصد .

خلاصة القول ، إنه من المهم أن نقف للحظات بعيدين عن التفسير المريح ، وأن نفكر بعمق ونقيم الموقف بحيادية تامة بحثا عن الإجابة الصحيحة لماذا حدث ذلك،  وماهي الحلول المطروحه كي نتدراك المشكلة قبل تفاقمها متبنين الحل المريح والمناسب.

 

————
* كاتبة عمانية ورئيس مركز الدراسات بمسقط.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: سندوتش المدرسة.. صدقة وزكاة

عدد المشاهدات = 6325 لا ينكر إلا جاحد ان الشعب المصرى شعب أصيل، شعب جدع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.