الجمعة , 29 مارس 2024

مدرين المكتوميّة تكتب: في غياهب الرحيل.. كيف الصمود؟

= 1858

مرت الأيام سريعا، دون أن نتدارك فيها أنفسنا، فجأة نجد أنفسنا كبرنا سنوات أكبر من اللازم، نعيش تفاصيل لم نعتدها، نعود أنفسنا على روتين وحياة أيضا لم نتوقعها، أصعب ما في الحياة أن نعتقد أن كل من نحبهم معصومون من الموت، حينها لا نفكر أبدا بفكرة رحيلهم بقدر فكرتنا أننا نعيش تحت أكنافهم دون الخوف من المستقبل.

فجأة يرحل أحد أعمدة المنزل، فنجد أنفسنا تائهين لا نعرف كيف ستمضي الأيام، وكيف سنتكيف مع الحياة التي لا نريد، كيف سنعيش اللحظات التي لم نعشها يومًا دونهم، كيف ستمر بنا المناسبات دون أن نفتقدهم، أيعقل أنَّ غيابهم يشكل بالنسبة لنا كل هذه المساحة الفارغة؟ بالتأكيد نعم، عندما نكتشف كيف أننا ممتلئون بأولئك الأشخاص عندها يصعب علينا أن نمضي هكذا بكل بساطة وسهولة دون أن نشعر بهشاشة في داخلنا، نعيش طوال حياتنا هشين، كل شيء يمكنه أن يجعل منّا أشخاصا حساسين للغاية، وكل موقف وكلمة لها تفسير ولها أيضا وقعها علينا، نصبح أكثر تحليلا للمواقف، ودائماً ما تكون ردود أفعالنا صعبة تجاه أي موقف.

المشكلة الحقيقية هي أننا لا نتصور أبدًا أننا ذات يوم سنغادر كما غادر غيرنا، لذلك يظل من حولنا موهمون بأبديتنا وعندها تكون الصاعقة، لحظات الرحيل المباغتة، التي تسرق الحي قبل الميت، فلا يعود كما كان سابقًا.

أتحدث عن فكرة الموت في حد ذاتها كفكرة مجردة، ومدى استيعابنا لها، لأننا لا يمكن أن نشعر بها إلا عندما نعيشها فعلا وحقيقة.. أن يرحل أحد أفراد العائلة، عندها يمكنك أن تشعر بالفقد وبما يشعر به الآخر، وكيف تكون الحياة صعبة وتحتاج منك الكثير والكثير من الصبر والكثير من التحمل، ففهم الأشخاص من حولك يحتاج لكثير من الوقت، وفهم التعامل مع كل الظروف التي أنت واقع بها أيضا يحتاج للكثير من التحمل، ليس هناك ثمة شيء سهل في الحياة، فالموت والميلاد هما الشيئان الوحيدان في هذه الحياة اللذان لا يمكن التكهن بهما، ولا يمكن أن نصنع فيهما شيئاً، إنهما ضمن المسلمات دائماً والتي يجب أن نتعامل معها على أنها حقيقة لا مفر منها.

أتحدث عن الموت، من منطلق تجربة عايشتها في لحظة صعبة وما زلت أعيش تبعاتها، أعتقد أن الآخر عندما يرحل لا يعلم كيف سيكون من بقي بعده، كيف سيعيش الآخرون وهم محملون بالكثير منه؟

إننا مع الموت، نخسر الكثير، ونفقد الكثير، ويصبح التخلي عن الأشياء بالنسبة لنا أسهل وأفضل وأسرع مما كانت عليه في السابق، نتجاوز الكثير من المحطات ونتوقف عند محطة واحدة بعينها ظنًا منّا أنها اللحظة المناسبة، التي سنقيم عليها مدى الحياة، لكننا لا نعلم أنها المحطة التي نستريح فيها من كل الأشياء المحيطة بنا، عندها تكون الاستراحة التي نترك فيها الكثيرين، ونتشبث بالقليل منهم ممن يستطيعون أن يمضوا بنا إلى بر الأمان.

——————–
* إعلامية عمانية.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: سندوتش المدرسة.. صدقة وزكاة

عدد المشاهدات = 7027 لا ينكر إلا جاحد ان الشعب المصرى شعب أصيل، شعب جدع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.