بقلم : يامنة بن را ضي – الجزائر
لا مجال للشك أن أمرا جللا يحدث فوق معمورتنا، وأن الإنسانية قاطبة تواجه اليوم أعظم اختبار أخلاقي لها، قد يرقى بها الى حقيقتها الناصعة البياض نقاءها ونبلها، أو قد يهوي بها الى جحيم سحيق من ظلالها وغيها، بل وقد ينسف اسمها المرتبط بالانسان أبد الدهر ..ذلك الانسان الذي جعله الباريء عز وجل في أحسن تقويم ثم رده الى أسفل السافلين ، لأنه لم يعمل صالحا قط، فالانسانية برمتها في وقتنا الراهن ونحن نعيش مأساة الانسان الفلسطيني في غزة، تسجل وبلا تردد صفحات من الخزي البغيض، ولئن كانت لا تقدم عملا صالحا لهذه الفئة من البشر المظلومين المقهورين نتيجة الإحتلال الهمجي، فإنها ايضا قد ادخرت جهدها ولم تستعمله لإيقاف تلك الهجمات الصهيونية الشرسة ضدهم، وراحت تتفرج عليهم وكأنهم أنصاف بشر لا أكثر، إن موقف الإنسانية السلبي ازاء المحرقة الصهيونية في غزة غير مبرر إطلاقا ولا يمكن أن يغتفر ..وهو الموقف الدنيء الذي لن ينفض عن جبينها الملطخ بدماء الفلسطينيين الأبرياء غبار الغار مهما حصل ..
يقول الأديب المصري” نجيب محفوظ” ” من يستهين بحق انسان في أقصى الارض لا في بيته فقد استهان بحقوق الإنسانية جميعا” ..ولقد صدق نجيب في مقولته، فها هي الإنسانية اليوم الا النزر اليسير منها تستهين بحياة الآلاف المؤلفة من أبناء غزة في فلسطين المحتلة، ولا تقيم لإنسانيتهم وزنا ولا قيمة وكانهم ليسوا من فصيلة الآدميين على هذه البسيطة الرحبة ..وقد شربت الإنسانية من كأس الخذلان حتى الثمالة، فلا صور جثث الاطفال المضرجة بدماءها ولا أشلاءهم المبعثرة هنا وهناك بفعل الإجرام الصهيوني البشع حرك وشائج الرحمة لهذه الإنسانية، ولا حجم الدمار الذي حول غزة الى مقبرة جماعية تفتح فاها لإلتهام المزيد من الشهداء، أيقظ ضميرها من براثين غفلته ..لا جرم ان المحرقة التي يواجهها الغزاويين اليوم بصدورهم العارية وبأجسادهم الهشة من الجوع وبصمودهم الأسطوري الذي أذهل العالم قد أزاح اللثام عن الحقيقة المستفزة لهذه الإنسانية، بل و أبرز للجميع حجم بهتانها وهي تذر الرماد في العيون عن المأساة الفلسطينية المروعة في أرضنا العربية الاسلامية ..
لا ريب، أن بذور الظلم القبيحة قد شوهت وجه الإنسانية الجميل أيما تشويه بعد أن آثرت ان تكون ظالمة ومتواطئة مع الكيان الصهيوني الارهابي وهو يمارس إبادته الفظيعة ضد أهلنا في غزة، فإلى وقت قريب لم نكن لنتصور ان هذه الملايين من البشرية التي تنتمي الى العائلة الإنسانية الكبيرة، ستلجأ الى سياسة النأي بالنفس عن أهوال ومصائب أقرانهم من البشر، وانهم لن يرضوا بهذا العبث الإنساني المقيت ..لكن هيهات هيهات لقد كنا متفائلين أكثر من اللازم على ما يبدو … وهاهي الحقيقة المؤلمة عن الإنسانية تتجلى لنا يوما بعد آخر، لتترك داخل أفئدتنا جروحا وندوبا لن تبرأ بسهولة …
أخيرا ..يقول عز من قائل في كتابه العظيم ” وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا”..وفي ظل هذا الخذلان الإنساني اللا مبرر، نتمنى من الله ان يعجل بهلاك الطغاة الصهاينة وزبانيتهم وأتباعهم، وان يجعل لإخواننا في غزة مخرجا من ضيقهم ..وأن يجبر خواطرهم جبرا يليق بصبرهم الأيوبي، ويتعجب له أهل السماوات وأهل الأرض .