بقلم: تامر علبة
كيف كان كل شيء قبل خلق السماوات والأرض؟
لفهم هذا السؤال يجب ان تترك لعقلك العنان قليلا ، فقبل الخلق لا نستطيع قول انه لم يكن هناك شيء فحتي الشيء لم يكن قد خلق فلا يوجد مكان ولازمان فلا تستطيع ان تسأل مثلا متي كان الله موجود ؟ فلم يكن هناك وقت قد خلق ، فالزمن من مخلوقات الله ولذلك المخلوق لا يسري علي الخالق ولا تستطيع ان تسأل اين كان الله ؟ فالمكان من خلق الله أيضا ، اذن لم يكن سوي كينونة الله التي لا نستطيع ادراكها ولا فهمها ثم قرر الله ان يخلق.
و لكي يخلق الله وضع قوانين ثابته تسري علي كل شيء و منها قوانين تسري عليه نفسه فمثلا خلق الرحمة و كتبها علي نفسه ، اعطي لنفسه 99 اسما و صفة كتبها علي نفسه ، و خلق العرش و سدرة المنتهي و من قوانين الخلق الثابتة و التي تهمنا نحن هو قانون السبب ، فلقد جعل الله لكل شيء سببا و اصل فمثلا كان يستطيع الله ان يخلق السماوات و الأرض دفعة واحدة و بشكل مفاجئ و ثابت و بلا خضوع لاي قوانين و هو قادر علي ذلك و لكنه فقط خلق شرارة البداية من العدم ، خلق الرتق او شرارة المادة الاولي و كما قلنا في رمضان السابق في تفسير الآية ” أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَٰهُمَا” و ان ذلك فسره العلماء بنظرية الانفجار الكبير ، و لذلك خلق الله السماوات و الأرض في ستة أيام مع انه يقدر علي خلقها في لا زمن و لكن لا احد يعلم مقدار تلك الستة أيام بزمننا و توقيتنا نحن و لكن رغم ان الله يسبب الأسباب الا انه لا يتركها للعشوائية بل يضع لها خطة و منهاج دقيق تعمل عليه و هنا وجب ان نعلم ان كل شيء خلقه الله هو خلق يطيع الله و يعبده و يسبح له من اصغر جزء من الذرة الي اكبر شيء و كل تلك المخلوقات مسيرة بقوانين و أوامر وضعها الله لها فلا يوجد عشوائية في الكون حتي لو بدا الامر كذلك.
اذن وحسب الاحاديث النبوية وربطها ببعض الآيات القرآنية نجد ان اول ما خلقه الله هو الماء، ثم العرش، ثم القلم، ثم اللوح المحفوظ ، كما ذكر في الحديث “عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :”إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ ، قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَة”، صدق رسول الله الكريم ، اذن الماء كان اول ما خلق و لقد قال تعالى :”وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ”، فالماء هو أول مخلوق من مخلوقات الله عز وجل، ولا يمكننا أن نجزم بأنّ الماء الذي خلقه الله سبحانه وتعالى تحت العرش مشابه للماء المعروف على سطح الأرض، فقد يكون الماء مشابهاً لماء الأرض في المكوّنات وربّما لا، ولا نعلم بأيّ حاله كيميائية يكون، قد يكون في الحالة السائلة أو الغازيّة أو الصلبة والله أعلم ، ثم خلق العرش ومعنى العرش باللغة العربية، هو فراش الملك أو كرسيه العظيم المرصّع بالذهب والمجوهرات، أمّا عرش الرحمن وكما جاء ذكر صفاته في أحاديث نبوية وبعض الآيات الكريمة بأنّه موجود بعد سبع سماوات وبين كل سماء والسماء الأخرى مسيرة خمسمئة عام؛ أي أنّ بين السماء الدنيا وعرش الرحمن مسيرة خمسمئة ألف سنة واتساعه خمسمئة ألف سنة أيضاً، قال تعالى:” تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ “،وبعد السماء السابعة مسيرة خمسمئة عام أيضاً، ثم يوجد بحر من ماء وفوق البحر يقع عرش الرحمن، ويحمل العرش ثمانية من الملائكة ولم يحدد ثمانية عشر أو مئة أو ألف، فالله سبحانه وتعالى أعلم ثم خلق القلم و لقد خلق الله سبحانه وتعالى القلم بعد أن خلق الماء والعرش، فالقلم هو ثالث مخلوقات الله عز وجل، وخلق القلم كجرم وبشكل نور، وخلق بعد القلم اللوح المحفوظ، فاللوح المحفوظ هو رابع مخلوقات الله سبحانه وتعالى، قد يكون اللوح تحت العرش أو فوقه فمكانه غير معلوم، تبلغ مساحته مسيرة خمسمئة عام، وطوله ما بين السماء الأولى والأرض وعرضه كالبعد بين المشرق والمغرب، وبعد ذلك أمر الله سبحانه وتعالى بالكتابة على اللوح المحفوظ، فكتب ما سيحدث في العالم من بدء الخلق وحتى نهايته. بعد ذلك خلق الله سبحانه وتعالى السماوات والأرض.
وبالطبع انوه مرة اخري ان تلك المسافات والأزمنة الواردة أعلاه ليست بمقاييسنا فلا نعرف مقدار اليوم الموضح ولا المسيرة ومن سائرها وكيفية السير فهذا علمه عند الله فقط ، كما ان هناك خلاف علي ترتيب الخلق ومنهم من قال ان العرش أولا او القلم أولا، ولكن اتفق العلماء علي هذا الترتيب وهو الأكثر عقلانية وفهم.
و هناك تفسير اخر منطقي رغم انه من حديث احاد و هو حديث روى عبد الرزاق بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري و يقول ان اول ما خلقه الله هو النور فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء ، فخلق من الجزء الأول القلم ، ومن الثاني اللوح ، ومن الثالث العرش ، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء ، فخلق من الجزء الأول حملة العرش ، ومن الثاني الكرسي ، ومن الثالث الملائكة ، ثم قسم الجز الرابع أربعة أجزاء ، فخلق من الأول السماوات ومن الثاني الأرضين ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء ، فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين ومن الثاني نور قلوبهم ، وهى المعرفة بالله ، ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله … إلى آخر الحديث.
و للتلخيص في النهاية و مع ربط ما زكر في الإسلام مع الأديان السماوية الأخرى نجد ان اول ما خلقه الله هو النور و منه خلق كل شيء مع ان هناك قول منطقي اكثر بالنسبة لي ان اول ما خلقه الله هو الفراغ أي المكان و هذا اكثر منطقية لذلك ففي رأيي المتواضع اجد ان اول ما خلقه الله هو الوجود أي المكان ثم النور و منه خلق الماء الذي قال ان منه خلق كل شيء حي ثم خلق فوقه العرش ثم القلم و اللوح المحفوظ و امر القلم بكتابة كل شيء و خلق حملة العرش ثم الملائكة ثم الجنة و النار ثم السماوات و الأرض ثم وضع في الأرض كل شيء و بدأ بها الحياة ثم استوي علي العرش.
اذن اول من خلق من الملائكة كان حملة العرش اما من بعدها فلا يوجد أي دليل يؤكد من خلق من الملائكة أولا ، اذن الان خلقت السماوات والأرض والجنة والنار والملائكة ويبقي السؤال هل قبل ذلك كان هناك خلق؟ لا احد يعلم ولماذا خلقنا الله؟ لا احد يعلم.
فمن يقول ان الله خلقنا للعبادة ، اذن لماذا خلق الله الانس والجن ولم يكتف بالملائكة؟ ولماذا عندما خلق الله ادم قال اني جاعل في الأرض خليفة ولم يقل عبد او عابد ؟
هذا ما سوف نفكر فيه معا في الحلقة الثانية ان شاء الله.
(يتبع)