الجمعة , 19 أبريل 2024

“للتقدم لغة” … بقلم: مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

= 3836

هناك علاقة وثيقة بين التقدم في مؤشرات التنمية البشرية والقراءة، فكلما قرأ الإنسان زاد وعيه وفهمه للحياة ومن ثم ارتفع مؤشر التنمية، فالقراءة تزيد من فعالية الإنسان وقدراته.لا أخص في هذا المقال القراءة في مجال التخصص فقط؛ بل أتحدث عن القراءة الحرة، في كافة المجالات والبحث عن المعرفة من أجل تنمية الذات.

تصنف البلدان على معايير كثيرة منها نسبة القراء، فالتاريخ الإنساني وثق وجود علاقة وطيدة بين التطور الحضاري والاهتمام بالعلم والمعرفة، ولطالما انتشرت منارات العلم والمكتبات العامة في المجتمعات المتقدمة علميا. يؤكد الدكتور مصطفى حجازي في كتابه الإنسان المهدور أن المعرفة تشكل بطاقة الدخول إلى ساحة التنافس المحتدم عالميا، والسلاح الفعال لخوض معركته، لأن هناك ارتباطا وثيقا بين قدرة المجتمع على الإنتاج واكتساب المعرفة.

تُعد القراءة تنمية،لا تقبل السكون والثبات، فهي تحفز العقل والفكر، وتزيد من فعالية الفرد، فهي تؤثر على طريقة تفاعلنا مع البيئة والواقع، وتسد الفجوات بين ما حققناه من أحلامنا، وما لم يتحقق، فهي تسيطر على الخوف وتمنع التفاعل السلبي مع المجتمع المحيط، وبالتالي تساعدنا على وضع الأهداف، وبناء المهارات التي تقودنا في النهاية إلى تحقيق الأحلام والغايات.

القراءة تقودنا إلى العلم والمعرفة وينتشلنا من التخبط الذهني والعشوائية والفوضى في الفكر، فلا يمكننا كمجتمعات أن نسير نحو الحضارة بدون تخطيط علمي وعقلاني، يؤكد مالك بن نبي في كتابه شروط النهضة، أن الحضارة الإنسانية لا يمكن استيرادها من بلد لآخر ولا يمكن تطويعها في مجتمع غير مجتمع المنشأ، لأن الحضارة إبداع وليست تبعية، قد ننجح في استيراد المنتجات الحضارية من دول أخرى، إلا أن القيم لا تباع ولا تشترى.

ولا يمكن استئجار العقول لبناء النهضة والتقدم الحضاري، دون وجود خطة موازية لتطوير رأس المال البشري الوطني، ومنحهم فرصة تحويل بحوثهم واكتشافاتهم إلى واقع لخدمة المجتمع.

هدر العقول، من أبرز المشكلات التي تواجهنا في الوطن العربي، وسبباً من أسباب هجرة العقول واختلال ديمغرافية المجتمع، والنسيج الاجتماعي والثقافي، غيرها من المشكلات التي تمثل تحدّيا للتقدم والنمو. فالأموال التي تنفق على البحث العلمي، وطلبة الدراسات العليا وعلى البحوث والدراسات، عادة لا تجد من يتبنى خلاصة النتائج والاكتشافات والاختراعات، وعادة تجد الأبحاث قابعة في الدرج الأخير من الأرشيف، في أغلب المؤسسات بما فيها المؤسسات العلمية، المناط بها تشجيع العلم والعلماء، وهذا يعد هدرا للأموال والأفكار والجهود.

حتى نتائج الأبحاث والدراسات التي تنتجها مراكز البحوث العلمية،لا يستفاد منها في المشكلات والتحديات المحلية، وعادة ما يستعان ببيوت خبرة أجنبية لعلاج مشكلات محلية، وهذا ما يجعلنا كمجتمعات، نفقد ميزة التراكم المعرفي والخبرات الناتجة من معالجة القضايا والمشكلات على مر العقود.

من المؤسف أن الأموال التي يتم تخصيصها لتطوير البنى الاقتصادية والصناعية، لا توجد فيها بنود تخصص للبحوث والتطوير والتي تهدف إلى بناء القدرات العلمية والتقنية والصناعية لرأس المال البشري الوطني، بدلا من تنفيذها من قبل عمالة وخبرات خارجية تغادر بعد الإنجاز، ويظل الإنجاز فكرا مستوردا يحتاج دوما إلى خبرة خارجية عند حدوث أول مشكلة في المشروع.

ألوم الباحثين من حملة الدكتوراه والماجستير، على تأخر الحركة العلمية، الذين يفقدون الرغبة في استكمال المسار البحثي فور حصولهم على المؤهل العملي، ويكتفون ببحث التخرج، حتى باتت الشهادة العلمية واجهة اجتماعية لا أكثر، وعلى الباحثين الذين يفقدون الحماسة عند مواجهة تحديات تعرقل تنفيذ مقترحاتهم.

ومن جهة أخرى، فإنَّ الإنجازات العلمية التي يشار إليها بالبنان، لم تلقَ مؤسسات تحتضنها، لإن الإجراءات الروتينية والمخصصات المالية لها كلمة العليا. فكم من نجم في العلوم خبأ نوره وانزوى في زوايا المجتمع أو اختار تغيير المسار من أجل لقمة العيش، فالعلم في مجتمعاتنا لا يطعم حتى رغيفا جافا.

إن الثقافة المجتمعية تلعب دورا مهما في العزوف عن العلم،لأن العلم قد ارتبط بلقمة العيش فقط، حتى وإن أرادت الدول وضع مخصصات لتطوير البحث العلمي قلما نرى باحثين متحمسين يدفعون في هذا الاتجاه، أو مؤسسات ترغب في المغامرة بأفكار جديدة.

في مجتمعاتنا العربية، قلما يحتفى بالعلماء والأعلام والباحثين والمخترعين وغيرهم من المواهب الفذة، الاحتفاء الذي يليق بمكانة العلم في نهضة الأمم، بل قد يجد العالم نفسه قابعا في مكتبه غارقا في الأعمال الإدارية بدلا من الانشغال بالبحوث العلمية.

في الدول المتقدمة نرى مؤسسات القطاع الخاص تتنافس على الباحثين والعلماء والاختراعات، وتقتنصهم وهم على مقاعد البحوث كي ينضموا إلى مؤسساتهم، من أجل تحقيق التنافسية والتفرد، في مجال الصناعات المختلفة. بالإضافة إلى ذلك وضعت بعض الدول خططا لاستقطاب المبدعين والعلماء والنوابغ لتجنيسهم، والاستفادة من إمكانياتهم العلمية في تطوير البنى الاقتصادية والتنموية والمجتمعية.

إن العلماء هم ذاكرة المكان والمستقبل البهي، هم من يعكسون عظمة المجتمع، والحافز لتوقير العلم عند الأجيال الفتية، لذلك نرى الكثير من الدول تحتفي بهم بطرق مختلفة على سبيل المثال لا الحصر تسمية الطرق والساحات والمؤسسات العلمية بهم، وطباعة صورهم على العملات الورقية وصناعة مواد فلمية قصيرة عن إنجازاتهم، وتخصيص ركن لإبراز منجزاتهم في المتاحف الوطنية والعلمية والمكتبات العامة و غيرها من مظاهر الاحتفاء.

إن العلم هو لغة التقدم لذلك من الضروري الاهتمام بدعم البحث العلمي والعلماء وتخصيص نسبة من الناتج المحلي بما لا يقل عن اثنين في المئة لتطوير البحوث والدراسات في كافة المجالات العلمية والاقتصادية والمدنية والعسكرية والسياسية والاجتماعية وغيرها من المجالات وفق برامج مدروسة، لأنها السبيل للتطوير الاقتصادي والصناعي وخفض نسب البطالة، ومن ثم دفع عجلة التقدم والنمو في المجتمع، يقول أحمد زويل “قدمت اليابان والصين نموذجا بارعا لكيفية التعامل مع القوة العظمى، لا بالاستغراق في نقد، والدخول في حرب كلامية معها، بل بتقديم تجربة ناجحة في النمو والتقدم، أعادت الاعتبار إلى مكانتهما في العالم…إن التفوق في مجال العلم والتكنولوجيا يعزز شعور الفخر بالوطن”.

———————-
* كاتبة عمانية.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: صلاة الرجال مع النساء.. باطلة!

عدد المشاهدات = 3911 نشر فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب على صفحته الرسمية على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.