حياتي اليوم صحيفة إلكترونية يومية
كتبت: د. نسرين مصطفى
“مساجد بلا أعمدة حتى لا تقطع صفوف المصلين” .. تلك كانت أمنية الشيخ الألبانى، والتي تحققت في مسجدين على مستوى العالم الإسلامى، الأول في السودان ويسمى مسجد النيلين، والثانى في المملكة العربية السعودية وهو مسجد جامعة تبوك، وكلاهما تحفة معمارية وفنية بارزة في التاريخ المعمارى لكلا البلدين.
مسجد النيلين في السودان
يعد مسجد النيلين بالسودان والذى يقع عند ملتقى النيلين الأبيض والأزرق على شاطىء أم درمان بمدخل المدينة من أهم معالم السودان وأجلها على الاطلاق، وجاءت فكرته من مشروع تخرج لطالب من كلية الهندسة والمعمار بجامعة الخرطوم في منتصف السبعينيات، وهو المهندس المعماري قمر الدولة عبد القادر الطاهر والذى يعد المصمم الأساسي للمسجد، وتحولت بعدها الفكرة إلى بناء مميز فائق الجمال.
وقصة المسجد ترجع إلى عام 1974م عندما اختير مشروع المعماري قمر الدولة عبد القادر الطاهر ضمن عدد من المشاريع التي تم عرضها في دار الاتحاد الاشتراكي في إطار المؤتمر الهندسي الأول، ولفت المشروع انتباه رئيس السودان فى ذلك الوقت الرئيس جعفر محمد نميري، وتفاجأ الطالب عندما قرر الرئيس السوداني تبني فكرة مشروعه برؤية جديدة، وفي إطار بالغ الأهمية ليتحول بعد ذلك إلى مسجد على أرض الواقع وتحفة معمارية تعد أحد معالم الخرطوم المميزة، أفُتتح المسجد فى 24 سبتمبر 1984.
بنى مسجد النيلين على شكل صدفة عملاقة أو جوهرة كبيرة قطرها 30 متر تقع عند ملتقى النيلين، وترمز الجوهرة إلى الإسلام الذي يشع نورًا لهداية البشر، ويعتبر المسجد أول مبنى يتم إنشاؤه في السودان من قواطع الألمنيوم وبدون أعمدة رفع حيث يتصل السقف بالأرض مباشرة تمامًا.
قام على انشاء المسجد مجموعة من أمهر وأفضل المزخرفين المغربيين، حيث تبرع ملك المغرب محمد الخامس الذى كانت تربطة علاقة صداقة مع الرئيس السودانى نميرى بارسال مجموعة من أمهر المزخرفين والمزينين الذين عملوا على هذا المسجد، ورصعوا قبته وجوانبه بدرر نفيسة.
يتكون المسجد من عدة مكونات كبيرة وصغيرة يتوسطها مبنى المسجد نفسه، وكل أجزاء المسجد موزعة بطريقة معينة حول محور رئيسي، هذا المحور يربط بين مركز الدائرة في المسجد والمئذنة، ويعرف شكل بناء المسجد بـ “الإنشاءات الفضائية”، فالمسجد في شكلة الخارجى يحمل كثير من معاني الحداثة، لكن من داخله يحكي قصة أخرى، ففتحات ونوافذ وأبواب المسجد من الداخل تأتي على شكل يعرف بـ”الأقواس المثننة”، مشتقة من شجرة النخيل، ويضم المسجد نقوش وزخارف إسلامية مميزة.
تبلغ مساحة المسجد 12 الف متر مربع، أما مساحة البناء بالكامل فتبلغ 2500مترمربع، ويتدرج ارتفاع المسجد بداية بالربوة الصناعية التي أقيم عليها حتى مئذنة المسجد التي يبلغ أرتفاعها 50 متر، ومعمار المسجد وملحقاته غالب عليه شكل شبه دائري، حيث يؤكد على معني التساوي والتكافؤ بين المسلمين مع اختلاف أقدارهم وأجناسهم وأعراقهم، ويضم المسجد أشغال معدنية بالالومنيوم ومشغولات الجبس وأعمال الخشب.
والزخارف الموجودة بداخل المسجد، تنقسم إلى ثلاثة أنواع، زخارف بارزة على الجبس، بالإضافة إلى ما يعرف بالفسيفساء التي تشكل لوحات فنية رائعة تتكون من قطع صغيرة من حجر أشبه بالصدف، وكذلك توجد زخارف مذهلة منقوشة على الخشب، أما الجزء الخاص بمنبر المسجد الذي هو محط أنظار المصلين والجالسين في المسجد تتجلى فيه الزخارف الإسلامية المميزة.
مسجد تبوك بالسعودية
أما المسجد الثانى فهو مسجد جامعة تبوك الخالى من الأعمدة والموجود بالمملكة العربية السعودية، والذى يعتبر واحدًا من أشهر المعالم الشهيرة على مستوى جامعات المملكة العربية السعودية، يتوسط المسجد حرم جامعة تبوك حيث يقع بجانب برج الجامعة وكلية الطب والعلوم الطبية التطبيقية كى يتسنى للموظفين والزائرين والطلاب الوصول له بسهولة.
ويتكون المسجد من قبة عملاقة بلا أعمدة، وتمّ بناؤه احتفاءًا بالحضارة الإسلامية والعمرانية لمدينة تبوك، وليكون مركزًا بارزًا لعلوم الدين الإسلامى، وأفتتح المسجد في يونيو 2020، وصممة المهندس الجزائرى شريف عبد الحميد.
يتميز المسجد بمجموعة من الصفات المعمارية التي تجعله أحد أروع التحف المعمارية على مستوى المساجد، حيث تبلغ مساحته 8000 متر مربع، ويسع 3500مصلٍ، ويحتوي على مئذنتين كل مئذنة بارتفاع 50 مترًا، وتم تجليد القبة الخاصة بالسقف بالفسيفساء بمساحة 5887 مترًا، وتم كساء المداخل بترابيع جرانيت، كما أن لأرضية صحن المسجد ترابيع رخام وحوائط زجاجية، أما الساحات الخارجية فغطيت بمساحات خضراء وأحواض للأشجار.
وتتكون واجهات المسجد من الزجاج المزدوج بدرجة نفاذية عالية للضوء، كما كسيت الحوائط والأرضيات بالجرانيت والرخام واستخدمت أعمال الألمنيوم للمنارتين والحوائط الديكورية.
ويتميز المسجد بنظام إضاءة طبيعية من قبة المسجد والحوائط الزجاجية، ونظام تكييف مركزي للمسجد، ونظام إدارة وتحكم bms، وكذلك نظام إنذار في حالة حدوث حريق، ونظام متطور للصوتيات، كما كسيت المداخل بترابيع جرانيت، ولأرضية صحن المسجد ترابيع رخام وحوائط زجاجية، ويتكون سقف المسجد من الألمنيوم المعلق فوق صحن المسجد، وتجاليد الألمنيوم وزجاج للكمرة الدائرية والحائط الديكوري والمنارة.
يحظى المسجدان بأهمية كبيرة فى كلا البلدين نظرًا لتفردهم فهما المسجدين الوحيدين على مستوى العالم الإسلامى بلا أعمدة.
