في عالمٍ حيث الكلمات تتأرجح كأوراق الخريف، هناك من يُبررون قسوتهم بأنّها طبيعةٌ أُودِعت فيهم منذ المهد. يمرّون على القلوب كما تمر الرياح الجافة على الحقول، يقتلعون الأزهار بذريعة أنّ الجفاف لم يكن خيارهم. يقولون إنّهم كالجبال، شامخةٌ بصلابتها، لا تعرف اللين ولا تملك عذوبة الينابيع. لكن أي جبل هذا الذي لا يسمع أنين الرياح وهي تناديه بالحنو؟
مثل هؤلاء ينثرون كلماتهم كسهامٍ في معركة غير متكافئة، ولا يلتفتون لندوب الأرواح التي تخلفها جراح تلك السهام. يتحدثون وكأن القسوة وشاحٌ أزلي، يلفّ أعناقهم دون أن يكون لهم فيه اختيار. يظنون أنّ الجمود هو القوة، وأن كسر الأجنحة يحفظ للطير كرامته.
أي طبيعة تلك التي تُبرر للغصن أن يجلد الأرض؟ وأي تلقائية تُجيز للبحر أن يغرق السفن دون رحمة؟ إنّ الشمس لا تكفّ عن وهب نورها وإن أحرقتها السماء، والقمر لا يشيح بنوره عن العتمة وإن أثقلته الغيوم، فكيف يدّعون ويبررون أنّ ذلك النوع من القسوة هو في دمائهم كجريان النهر في مجراه؟
تراهم كالزجاج المكسور، يلمعون في الضوء لكنهم يجرحون كل من يقترب، كالنار التي تدّعي أنها تمنح الدفء، بينما تحرق كل شيء يلمسها. يحسبون أن الحقيقة تكمن في بيوتهم تلك، ولا يدركون أنّ اللين قوة، وأنّ المرونة هي ما يصنع الأقواس القادرة على إطلاق السهام بعيداً.
أي تلقائية تلك التي تُطفئ البسمة من الشفاه وتزرع الخوف في العيون؟ إنها ليست تلقائية، بل اختيارٌ مُموّه بثوب القدر. لو أنّهم ينظرون إلى داخلهم، لوجدوا أنه ليس الجبل، بل الصخرة العالقة بين ضفتين، عاجزة عن الانسياب، مختبئة خلف قسوتها خوفًا من أن تنكشف هشاشتها.
ما القسوة إلا قناعٌ يرتدونه ليخفوا خلفه وجوهاً تخشى الانكسار، وأي طبيعة هذه التي تعتذر بها القلوب وهي تقسو؟ لعلّهم ينسون أنّ الحبّ، لا القسوة، هو الذي يبني الجسور، وأنّ اللطف، لا الصرامة، هو ما يترك الأثر.