حتى لو كانت مصر قد تقدمت فى تقييم منظمة الشفافية العالمية حول مؤشرات الفساد من المركز 114 (من بين 177 دولة شملها التقييم) والذى اذيع عام 2013 إلى المركز رقم 94 فى التقرير الذى أذيع أخيرا، فإن هذه النتيجة تشير إلى أن حجم الفساد مازال كبيرا، وأن التقدم الذى حدث لم يرتفع إلى مستوى تطلعاتنا بما يقطع بأن الإجراءات التى اتخذت لمكافحته خلال العام الأخير لم تكن كافية للحد من جرائم الفساد بنسبة ملموسة.
وحسنا فعلت الحكومة بتشكيل اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد وكان الهدف منها تفعيل مواد الدستور، وتعديل التشريعات المتصلة بهذه القضية، وإعادة تقييم خطط وأساليب مواجهة هذا الفساد ونشر ثقافة مجتمعية رافضة للفساد
وبرغم العديد من مظاهر الفساد وأسبابه التى اتفق على التصدى لها فى هذا الصدد مثل الرشوة والاختلاس وإجراءات صرف قروض البنوك واستعادتها والوساطة والمحسوبية والبطالة والتعدى على أراضى الدولة للاستيلاء عليها بوضع اليد، أو بيعها بأثمان غير واقعية، وانخفاض مستوى الدخول والصناديق الخاصة التى تعمل خارج نطاق ميزانية الدولة، وضعف إجراءات حماية الشهود والمبلغين عن جرائم الفساد، وطول إجراءات التقاضي، والمبالغة فى الإنفاق الحكومى دون مقتضي.
إلا أن هناك أسبابا أخرى للفساد لم تنل من الاهتمام ماهى جديرة به ـ بعضها رئيسى كافتقاد الوازع الدينى لدى الفاسدين، وكذا التهرب الضريبى بالإهمال أو التواطؤ وسرقة التيار الكهربائي، وضعف إجراءات الرقابة السابقة على الصرف، والدروس الخصوصية التى تتبدد نتيجة لها عشرات المليارات من الجنيهات التى تخصصها الدولة للعملية التعليمية.
وحتى تتسم خطة المواجهة بالشمول فإن الأمر يتطلب التصدى لهذه المظاهر الأخيرة بنفس درجة الاهتمام الذى تقرر لمواجهة الظواهر السابق الاشارة إليها بإجراءات جادة، على رأسها ايقاظ الضمائر الميتة ـ على أن يتم ذلك بالتنسيق بين الأجهزة الرقابية وسائر الأجهزة المعنية وبمتابعة واشراف اللجنة التنسيقية لمكافحة الفساد بما يحقق أفضل النتائج.
——————
مدير عام سابق بوزارة الداخلية