عندما تستمع لصوت المسحراتي وهو ينادي: اصحى يا نايم وحد الدايم… رمضان كريم… ياخذك الحنين لأيام مضت فهو مرتبط فى ذاكرتنا بمن فارقونا ورحلوا عن عالمنا ولن يعوض مكانهم أحد وكيف كنا نجتمع على طاولة الطعام نتسامر ونتبادل الأحاديث الممتعة.
وكان ثمة ارتباط وثيق بين المسحراتي والراحل سيد مكاوي الذى أمتعنا بأغنية المسحراتي بصوته وأداءه المتميز والتي تعتبر من أشهر الأعمال التي جسدت شخصية المسحراتي.
سر نجاح أغنية المسحراتي يرجع إلى اعتماد سيد مكاوي علي الطبلة فقط لأن هذا ما يفعله المسحراتي بالفعل…. اما التفرد يأتي لكونه قد طوع كلمات فؤاد حداد لتك الأله أى الطبله لكل طبقات الغناء بأداء غير مسبوق كأننا بالفعل نسمع المسحراتي في الشارع… سنين من هذا الأبهار والتفرد وبصمة لن تتكرر وصعبة علي التقليد.
لقد أصبحت هذه الأغنية من علامات شهر رمضان وأروع الاغاني المرتبطة بالشهر الكريم ويكمن الإبداع في عظمة المكان وعبقربة الفنان الشاعر والبساطة والتلقائية والأداء رحم الله سيد مكاوى فهو بحق أجمل وأعظم مسحراتي ولدته مصر فهو واحد من زينات رمضان ترك لنا تراثاً و إرثاً فنياً لا ينسى نردده و نتغنى به.
يعتبر المسحراتي جزءاً أصيلاً من التراث الشعبي القديم بدأ في العصر الإسلامي وكان أول من استخدم الطبلة هم المصريون لإيقاظ الناس للسحور في الأحياء التاريخية مثل الجمالية والدرب الأحمر وشارع المعز وباب زويلة ثم تليها بلاد الشام وحارات دمشق القديمة المحيطة بالجامع الأموي وسوق الحميدية كذلك الحارة المغربية الأصيلة في مراكش وفاس عن طريق الإنشاد و العزف على الطنابير مما يشعرك بالأصالة ويعود بك قرون إلي الوراء لتحاكي التاريخ.
كان عهد والي مصر العباسي إسحاق بن عقبة أول من طاف شوارع القاهرة ليلاً في رمضان لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور وكان يجوب الشوارع سيراً على الأقدام.
وفي عصر الدولة الفاطمية أمر الحاكم بأمر الله الفاطمي الجنود بأن يمروا علي البيوت لإيقاظ الناس للسحور..ثم تطور الأمر مع مرور الوقت وأصبح هناك رجل للقيام بمهمة المسحراتي عن طريق عصا يحملها بيده ليطرق بها على الأبواب.
فهى واحدة من أهم أساسيات الفلكلور المصرى القديم تعود بنا إلى الماضى والأيام التى لا تنسى وكيف كنا نستمتع عند سماعه وهو ينادى على أسمائنا واحداً تلو الأخر وكيف استطاع رسم البسمة على وجوه الكبار قبل الصغار وكثيراً ما قمنا برسمه فى المدارس وكانت المكونات الرئيسية المسحراتى إلى جانب هلال ومدفع رمضان بالإضافة إلى الأطفال وهم يحملون الفوانيس مرددين وحوى يا وحوى!
والأن تراجعت مهنة المسحراتي بشكل كبير وأصبحت غير موجودة في العديد من المناطق وذلك بسبب التطور التكنولوجي من التليفونات المحمولة والبرامج التى تحمل اسم المسحراتى والمنبهات وأصبح الناس يعتمدون على هذه الأشياء بدلاً من المسحراتي.
أيضاً لم يعد الكثير من الناس بحاجة إلى الاستيقاظ للسحور بسبب تغير نمط الحياة وأصبح البعض يفضل السهر حتى الفجر.
وعلى الرغم من أن دور المسحراتي تراجع بسبب التقدم التكنولوجي إلا أنه مازال يحتفظ بجاذبيته في بعض المناطق التي تحافظ على العادات والتقاليد ووجوده يضفي روحاً مبهجة للشهر الكريم فهو محفور في ذاكرتنا وذكرياتنا.
إن مهنة المسحراتي ستظل من التقاليد الرمضانية الجميلة ذات الطابع الإجتماعي والتاريخي والثقافى التى يرتبط بها الناس خاصةً في الأحياء الشعبية والمناطق التى تحافظ على تراثها فهى ليست وسيلة لإيقاظ الناس لتناول السحور فقط بل هي جزء من الفلكلور المصرى القديم والهوية الرمضانية الأصيلة فصوت المسحراتي وهو يردد الأدعية والأناشيد الدينية وأسماء أهل الحى يخلق جواً روحانياً خاصاً.
وحتى مع التطور التكنولوجي وقلة عدد المسحراتية مقارنة بالماضي إلا أن هذه المهنة ستظل باقية لا سيما في مصر فقط بل في بعض البلدان العربية والإسلامية فهى جزء أصيل من الموروث الرمضانى الروحاني..
إن التقدم التكنولوجيا غير الكثير من عاداتنا لكنه لا يستطيع محو تراثنا القديم.