في معركة الحياة، حيث تتخفى الحقيقة خلف قناع الوهم، تواجدت هي، كالوردة بين أشواك الظنون، يُغلفها غمام الاتهام، متوجة بتاج الظلم، وهي في داخلها ملاك يحترق في صمت.
ينظر إليها العالم بعين الريبة، مُخطئين في تقدير معدنها، حتى وصفت بالظالم وهي في الواقع مظلومة، ضحية الهمسات الخفية والأحكام المسبقة ولسوء الظنون.
وأما عمن يظنون أنه مظلومًا، كان يتخفى خلف ظل ضوئه زائف، كان هو الجاني، متواري وراء ستار البراءة، مُحترف في لعب دور الضحية، يُتقن فن اجتذاب كل من حوله بالتعاطف، مُسلحًا بسيف الكلمات المسمومة، ينسج من الأكاذيب ثوبًا يخفي به عورات نواياه السيئه.
هذا هو العالم المعكوس، حيث الصدق موارب والباطل متوج، كانت هي مظلومة لكن تقف شامخة، حاملةً الألم على أكتافها كأنه وسام شرف. لا تتوسل الرحمة ولا تنحني للظلم، تقاوم بصمت، ففي صمتها صخب يزلزل أركان الفساد، وكبرياءها جدار لا يتزعزع أمام عواصف التهم الباطلة.
فكم من وردة قُتلت في مهدها تحت أقدام الظنون؟ وكم من أشواك ارتدت ثوب البراءة؟
أصبحت الأدوار معكوسة والمعاني مشوهة، عاش الظالمٌ بقلبٍ مثقل بالظُلم، يحمل على كتفيه جبالاً من القهر، ينظر العالم إليه كمظلومٍ يستجدي الرحمة والعدالة. يمشي بين الناس كظلٍ خفي، ينشر الأسى والحيرة في النفوس، ولكن بعيونهم، هو ضحية زمانه، مسكينٌ محطم القلب، يستحق العطف والمواساة.
في المقابل، تجد المظلوم الحقيقي، ذاك الذي تجرع الألم وذاق مرارة أذية الظالم، يقف في الطرف الأخر، يُنظر إليه كمجرم وجاني، كأنما هو مصدر الشر ومنبع الأذى. يسير بين الأرواح كسرابٍ يُخاف منه، ويُتهم بأنه سبب البلاء الذي لم يزرعه. تُلبسه الأقدار ثوب الظالم، وهو في الحقيقة ما هو إلا ضحية لعبة القدر القاسي.
دائماً ما تتكرر تلك الحكاية في هذا العالم الغريب، حيث تُحكى القصص بلسان مقلوب، ف يظهر الظالم مظلوم في عيون المحيطين، ويكون المظلوم هو الجاني في سجل الأحداث. وتبقى الحقيقة كنزًا مدفونًا يبحث عنه القليلون، ويجده أقلهم، في زمن بات فيه العدل غريبًا كغربة النجوم في ضوء النهار.
ولكن العبرة تبقى خالدة: فليس كل ما يلمع ذهبًا، ولا كل من يبتسم صادقًا، ففي ميزان الحياة يختل العدل دائماً، ولكن الزمن كفيل بكشف المستور، فالحقيقة مهما طالت، تشق طريقها كنور الفجر لتبدد ظلام الليل.