التوبة
تُعرّف التوبة في اللُغة بأنها الرجوع عن المعاصي، وأمّا في الإصطلاح الشرعي فهي الإنابة إلى الله -تعالى- والرجوع إلى طاعته بترك معاصيه، وهي رجوع العبد إلى خالقه بفعل الطاعات وترك المُحرمات،[١٣] وينبغي على كلّ مسلم أن يحذر فعل الذنوب والسيّئات، ويسارع بالتوبة منها إلى الله -تعالى-، فهي تجلب الوحشة في القلب، وتُطفئ منه النور، وتجلب إليه القلق والعسرة، وتُشتّت خطى السير إلى الله، وهي سببٌ للفساد في الأرض، وقد أجمع العلماء على وجوب التوبة إلى الله -عزّ وجلّ-، وبها ينال المسلم الجنّة بإذن الله، قال الله -سبحانه-: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ).
مَحْو التوبة النصوح ما قَبلها
تَجُبُّ التوبة النَّصوح ما قبلها من الذنوب والخطايا وتمحوها؛ لِما ورد عن ابن مسعود -رضي الله عنه- من أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (الإسلامُ يَجُبُّ ما قبلَه والتوبةُ تَجُبُّ ما قبلَها)؛ أي أنّ التوبة النَّصوح تُكفِّر ما قد بَدَر من التائب مِن الذنوب والمعاصي، وغيرها من أسباب ترتُّب السيِّئات، وقد يكون حال المؤمن بعد التوبة أفضل من حاله قَبلها؛ لأنّ الله -تعالى- يُقابل توبتَه النَّصوح بالتكفير والغُفران، فإن انكسرَ بين يَدَي ربّه، وأظهرَ افتقاره إليه، ثمّ لَزِم العمل الصالح وداومَ عليه، كافأه الله بتبديل سيِّئاته حَسَناتٍ، وذلك أعظم ما يناله العبد؛ قال -تعالى-: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَـئِكَ يُبَدِّلُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)، وقد يَصِل التائب إلى درجة السابقين إن داومَ على أداء الفرائض، وحَرِص على النوافل، وانتهى عن المَكاره والمُباحات، وقد جاء عن الحسن البصريّ أنّ التوبة الصادقة تَجُبُّ ما سبقَها من الخطايا والذنوب، وتتحقّق عندما يكره العاصي ذَنْبه كما أحبَّه يوماً، مع الاستغفار عند تذكُّره.
وتجدر الإشارة إلى أنّ التوبة النَّصوح تمحو الأثر السيّئ للذنوب أيضاً، وتُزيل ما عَلِقَ في القلوب؛ فيلقى العبد رَبَّه -عزَّ وجلَّ- يوم القيامة وقد غُفِرت ذنوبُه؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّـهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وقال عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- إنّ الله يُكرم عبدَه التائب بإلقاء النسيان في قلوب من شَهِدوا ذلك الذَّنب؛ فيُنسي الحَفَظَة من الملائكة ما سَجّلوه في صحيفة العبد من الذنوب، ويُنسي جوارحَه ما اقترفَته من الآثام حتى يأتيَ العبد التائب إلى رَبّه يوم القيامة دون شُهودٍ يشهدون على ذَنْبه وعِصيانه، وقد قال الله -تعالى- في آيةٍ أخرى: (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)، وفيها يُرتّب الله وعدَه بالمغفرة على التوبة النَّصوح، مِمّا يدلّ على تحقُّق ما وعد الله به التائبين عند إخلاص النيّة في التوبة، فقد قال رَبّ العزّة في آية أخرى: (وَإِنّي لَغَفّارٌ لِمَن تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا ثُمَّ اهتَدى)،وفي الآية دلالةٌ على تحقُّق موعود الله بالغُفران لِمَن تاب توبةً نَصوحةً، وآمنَ، ولزمَ العملَ الصالح.
توجد الكثير من الأُمور التي تُساعد العبد المُسلم على التوبة إلى الله -تعالى-، ومن ذلك ما يأتي:
الإكثار من الاستغفار، لقوله -تعالى- على لسان نبيّه صالح -عليه السلام-: (لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)،والاستغفار من أكثر الأسباب التي توجب رحمة الله -تعالى-.
ترك المعاصي، وذلك بترك العبد كلّ معصية يتوب عنها؛ فمثلاً الشخص الذي يغتاب الناس، عليه ترك الغيبة، ومن ذلك ترك سماع الحرام لمن يسمعه، وغير ذلك من المعاصي.
التحلل من المظالم، وهذا في حالة إن كان الذنب يتعلّق بغير الله -تعالى-؛ فتكون التوبة بإرجاع الحقوق إلى أصحابها حتّى تقبل التوبة، وأمّا إن كان الذنب في حق الله -تعالى- فيُكتفى فيه بتركه، وقد أوجب الله -تعالى- في بعض المعاصي القضاء والكفارة.
الإكثار من الأعمال الصالحة الموافقة لهدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، واتّباع طُرق الهداية؛ بتعلّم العلم وتعليمه والعمل به والدعوة إليه، مع الإلتزام بطاعة الله -تعالى- في جميع حياته، مع حُسن الظنّ بالله -تعالى- وعدم اليأس من رحمته.
الإكثار من ذكر الله -تعالى-، لأنّه يساعد على قبول التوبة، وهي صفة أولياء الله -تعالى- إذا اجتمعوا قال -تعالى-: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
الإخلاص في التوبة مع صدق النيّة، لأنّ ذلك يجلب العون من الله -تعالى-؛ فيصرف عن التائب العقبات التي تعترضه وتُبعده عن التوبة، مع تركه للأشخاص والأماكن التي كان يعصي الله -تعالى- فيها.
الإكثار من تذكّر الآخرة وما أعدّه الله -تعالى- لعباده المؤمنين، وتخويف التائب لنفسه من عاقبة المعاصي، ومن النار وممّا أعدّه الله -تعالى- فيها للعاصين، مع إشغال النفس دائماً بطاعة الله -تعالى-، والبُعد عن الفراغ وملأه بالطاعة والعبادة والدُعاء بالتوبة وقُبولها.
الندم على فعل المعاصي، والعزم على عدم الرُجوع إليها، مع مُحاسبة الإنسان لنفسه دائماً؛ مما يجعله يُبادر للطاعات، ويبتعد عن المُنكرات.
إتباع السيّئة بفعل الطاعات والحسنات، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسَنةَ تَمْحُهَا).
دعاء التوبة:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بذَنْبِي، فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جَمِيعاً، إنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأخْلَاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ ليسَ إلَيْكَ، أَنَا بكَ وإلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ)