الأربعاء , 11 ديسمبر 2024

رشا الشايب تكتب: صداقة الفضيلة..!

= 1812

تحدثت فى مقالى السابق «الصداقة النادرة» عن أنواع الصداقة كما صنفها المعلم الأول «أرسطو» والتى قسّمها إلى ثلاثة أنواع وهي صداقة المنفعة «المصلحة»، وقد تحدثت عنها تفصيلا فى مقالى السابق، وصداقة المتعة أو «اللذة» أو البهجة، وأخيرا صداقة «الفضيلة» وهى ما أقصده بمصطلح الصداقة النادرة، واستكمالا لما طرحته أكمل لكم باقى أنواع الصداقات.

فأما الصداقة من أجل المتعة «اللذة» فهى الصداقة القائمة على شرط –اللذة والمتعة- وجب أن يتحقق لكلا الطرفين وتنتهى أو تنهار بانقضاء هذا الشرط أو زواله، أى تنتهى باختفاء مبررات وجودها.

وكمثل صداقة «المنفعة» أو المصلحة ، فصداقة اللذة لا يكون فيها الصديق هو الهدف فى حد ذاته أو الجوهر من تلك العلاقة ولكن يكون الهدف هو تحقيق البهجة الحاصلة بسببه، فمتى انتهت، فَتَرَت العلاقة بينهما وتحول أصحابها إلى معينٍ آخر يُغدق عليهم بما يلهثون وراءه وهى المتعة أو اللذة.

وهى بالطبع ليست صداقة حقيقية ولكنها علاقة عَرَضية غير دائمة ولا ثابتة -كعلاقات المصلحة- وُصمت بالتذبذب وعدم الاستمرارية، لأن المنافع سواء المصلحة أو اللذة تتأرجح بين الفينة والأخرى.

أما صداقة الفضيلة «الصداقة النادرة» هى صداقة الناس الطيبين الذين يحبون بعضهم بعضا لأنهم طيبون، هى صداقة الأفاضل من الناس، أى المتشابهين من جهة الفضيلة، إذ أنهم يحبون بنفس الطريقة، الخير لبعضهم باعتبارهم فضلاء كما يقول أرسطو.

فيرى أرسطو أن صداقة المنفعة وصداقة المتعة يمثلان أنواع الصداقة غير الكاملة أو العرضية لأنها تخضع لتأثير الملابسات الظرفية، ولا تدوم إلا بدوام المنفعة أو المتعة، وأما صداقة الأخيار الذين يحب بعضهم بعضا لطيبوبتهم فهى صداقة الفضيلة التى هى أتم أنواع الصداقة لأن كل طرف يريد الخير للآخر ولا يقصد من وراء ذلك مصلحة خاصة، هذا بالإضافة إلى أن كل طرف يجلب المنفعة والمتعة للطرف الآخر من غير أن تكون المنفعة أو المتعة هى الهدف الأساسى المتوخى من الصداقة.

وعندما يقول أرسطو إن الصداقة ضرورية للحياة الخلقية الفاضلة، فإنه يقصد بذلك الصداقة الكاملة التى هى صداقة الفضيلة. وأما ما يجعل منها الشرط الضرورى للحياة السعيدة فهى خصائصها التى تتجلى من خلال قدرتها على تنمية قدرتنا على التفكير والسلوك بطريقة عقلانية؛ ذلك لأننا نتعلم طرق التفكير والسلوك من الآخرين. ولما كان للتفكير والسلوك لا يطلبان لذاتهما، بل باعتبارهما وسائل لبلوغ الخير الأسمى المتمثل فى السعادة، اعتبرت الصداقة الشرط الضرورى لتحقيق السعادة.

وتتجلى مظاهر الصداقة الفاضلة من خلال أشكال التفاعل التالية: يريد الصديق الخير لصديقه كما يريده لنفسه ويعمل كل ما فيه خير من أجله، يرغب الصديق فى أن يعيش صديقه حياة كريمة، ويريد تحقيق ذلك من أجله، يقضى الصديق وقتا مهما مع صديقه؛ يختار الصديق لنفسه ما يختار صديقه لنفسه؛ يشاطر الصديق أفراح وأتراح صديقه، وأضيف على ذلك أن يقف بجواره فى ضيقه وشدته، أن ينصحه بالخير ويُقومه إن أخطأ وتمادى (صديق يرشده إلى الطاعات)، أن يشعر بآلامه وأحزانه، أن يرد غيبته، ويدفع السوء عنه، ولا يتركه وحيدا وإن تركه الجميع، يستمع إلى صديقه ويفهم عمقه، يتقبله بكل ما فيه، ويدعمه ويشجعه ويتمنى له تحقيق أهدافه وبلوغ أسمى معانى النجاح بل ويساعده فى ذلك.

هذه الصداقة تمتاز بالدوام ما دام الصديقان فاضلين، فهى مُحصنة ضد مهالك الزمان، وعصّية على الوشايات والأعراض ومصونة من مكدرات العلاقات، فأساسها الخير والفضيلة لذلك تجدها قوية ومستمرة، قوية لقوة مصدرها ومستمرة لسمو رابطها وعلو قيمته وهو «الفضيلة»، فلا تجد أبدا شريرين تجمعهما صداقة حقيقية.

نادرة هى صداقة الفضلاء لأن الفضلاء أنفسهم معدن نفيس نادر، ونعمة ينعمها الله على عباده المؤمنين.

وأحمد الله أنى رُزقت هذه النعمة فوهب لى المولى صداقة الأفاضل والأخيار، فشكرا لكونكم معنا.

———————————
* المقال منشور ببواية الوفد، وتم نشره بالتنسيق مع الكاتبة.
rashaelshayeb@gmail.com

شاهد أيضاً

عزة الفشني تكتب: بعد سقوط سوريا.. الشرق الأوسط إلى أين؟

عدد المشاهدات = 2053 بعد ما حدث في سوريا وسقوط مدنها واحدة تلو الأخرى، حتى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.