—-
تعودتُ مؤخرًا فى معاملاتى مع الأفراد وبعد صراعات وتفكيرٍ عميق، أن أرى الدافع قبل أن أحكم على السلوك، وأحياناً كثيرة قد أتفهّم السلوك– حتى وإن كان سلبياً- أن تبيّن لى بعد تحليل واستنتاج عميق دوافع الشخص الشعورية أو اللاشعورية والتى قد تدفعه دومًا لهذا السلوك والذى قد يبدو لنا على أنه غريب.
أما عن ماهية الدافع فلاحظ معى عزيزى القارئ هذا التعريف والذى قرأته فى كتاب أصول علم النفس للدكتور أحمد عزت راجح أستاذ ورئيس قسم علم النفس بجامعة الإسكندرية سابقاً والذى عَرَّف الدافع بأنه حالة من التوتر الجسمى والنفسى تُثير السلوك وتواصله حتى يخف هذا التوتر أو يزول فيستعيد الفرد توازنه، وكأنَّ الدافع اضطراب يخل بتوازن الفرد فيسعى الفرد إلى استعادة توازنه، فلا سلوك بدون دافع.
فسأذكر لكم من وجهة نظرى سلوك ثلاث شخصيات نجدها كثيراً حولنا لكى نرى دوافعها الدفينة والتى على الأغلب قد تكون دوافع شريرة.
فأولها: من يتعمّد التقليل من شأن الآخرين مع التعظيم الشديد لشخصه (أصحاب الإيجو العظيم)، أو الذين لا يمدحون فضل غيرهم، أو الذين لا يرون الخير أبدا فيمن حولهم، ولا يعترفون مطلقا بنجاح غيرهم، أولئك مثلا أتفهّم دافعهم ولم أعد أتعجب من سلوكياتهم، فبعد تحليل دوافعهم اكتشفت أنهم يسلكون هذا الدرب بشكل مقصود ومتعمَّد ألا وهو التقليل من شأن الآخرين كى يُعوضوا ويُكملوا نواقص نفوسهم الداخلية والتى قد تنتج عن هشاشة ثقتهم فى أنفسهم، أو عن ضعف إمكانياتهم وضآلة معارفهم، فينتهج صاحب هذه النفس غير المتزنة هذا السلوك السلبى، والذى ينتج عن دافع الشعور بالنقص، فيوهم نفسه كذبا وغشا أنه أفضل من غيره ولا أحد يوازي علمه أو حكمته ورؤيته وهذا السلوك يخفف من توتره.
وثانيها: من يتعمَّد إلصاق تهم الفساد بالشرفاء وتشويه صورتهم على الملأ قصداً وإصراراً وترصداً تنكيلاً بهم وظلماً فيهم، وهذا المنهج الفاسد يتّبعه عدد غفير من الفاسدين، وإذا ذَهَبتَ ما وراء السلوك وأقصد الدافع لرأيت لديه رغبة عنيفة، فيتعمّد إصباغ الشر على النفوس السليمة وإلصاق تهم الفساد بها مع علمه الشديد بكذب ادعاءاته، ولكن هذه الادعاءات قد تُريحه وتُزيل توتره.
فيُوهم نفسه الضعيفة البائسة بأن كلنا فاسدون بلا استثناء أو شرط، وبهذا التصرف المُشين يُسكِّن وَخَزَ ضميره ويُهدئ من توتر نفسه وذلك بحيلة دفاعية أكثر شرا من فَعلته الأساسية، فيا له من بائس يائس مغرور شرير!
فهذا الشخص بدلاً من أن يكف عن الفساد ويُرضى ضميره ويُعلن توبته ويُريح نفسه الهائجة المتمردة عليه، فبدلا من ذلك تراه يُسرع ليُثبت فساد غيره ولو كذباً وظلماً ليؤكد لنفسه أنها ليست الوحيدة فى الفساد وأن البشر جميعهم فاسدون، وهذا النوع أيضاً أتفهم دوافعه الخفية.
أما ثالثها: فذاك الشخص الذى يتعامل مع الآخرين وفقاً لمصلحته الشخصية وحساباته الخاصة، فتجد سلوكه كالآتى: تجده لا يرى الحق حقاً إلا إذا تماشى مع مصلحته، ويرى الباطل حقاً إذا أتمَّ له مصلحته، فإذا طُلب للشهادة يتأنَّى قبل أن يوافق أو يرفض، فإن كانت تلك الشهادة تُدنيه من غرضه فأهلاً بها حتى ولو كانت زوراً، أما إذا كانت هذه الشهادة تُبعده عن مآربه وغايته وتحولُ بينه وبين مقاصده فيرفض الخوض فيها، حتى لو كانت شهادته تُنقذ حياة شخص آخر، فهذا الشخص يكون دافعه هو حبه العظيم لذاته وأنانيته المفرطة فكل سلوكياته تراها محسوبة لديه بتحقيق مصلحته.
وليس معنى تفهمى لتلك الدوافع الشريرة للأفراد أن ذلك يعتبر اعترافًا منى بشرعيتها، فبالتأكيد لا، ولكن تفهم وإدراك تلك الدوافع يساهم فى تفسير بعض السلوكيات الغريبة والتى قد نتعرض لها حتى لا نقع فيما يسمى بشعور الصدمة والتى قد تُربك الفرد وتُحدث اضطراباً شديداً فى اتزان النفس.
والحقيقة والتى لا تقبل أى نقاش أو شك أن كل سلوك قد سبَّب أذى لفرد هو سلوكٌ سلبى بغيض لا يُبرَّر أبداً تبريراً إيجابياً، وَوَجَبَ أن يرفعه المؤذى عمّن أذاه، فقد أصبح دَيناً فى رقبته ليوم الدين.
أما السلوكيات والتى قد ترتكبها مُحدثا أذى لنفسك فخطرها وأثرها أقل وطأة، فظلم نفسك أهون بكثير من ظلمك للآخرين.
——————-
- عن “بوابة الوفد” بالتنسيق مع الكاتبة.