تخيل أرضًا لم يُسفك فيها دم، ولم يُرفع عليها صوت ظلم، ولم تُخطّ فيها معصية… أرضًا لم تعرف الحروب، ولا شهدت فتنة، ولم تطأها قدم بشر في الدنيا. أرض بيضاء، نقيّة، صامتة، لا جبال فيها ولا وديان، لا بشرى فيها ولا أنين… إنها أرض المحشر.
على هذه الأرض الجديدة، التي خلقها الله ليوم عظيم، يُبعث الخلق أجمعون. يخرجون من قبورهم، لا يملكون من أمرهم شيئًا، حفاة، عراة، غُرلاً كما وُلدوا. ينظر بعضهم إلى بعض في ذهول… ولكن لا أحد ينطق، فالرعب أكبر من كل الكلمات.
في هذه الأرض، لا وطن، لا ملك، لا جاه، لا نسب… الجميع سواسية. يُنصب عرش الرحمن، وتدنو الشمس من الرؤوس، فتتفاوت الأحوال: منهم من يُظلّه الله في ظله، ومنهم من يتصبّب عرقًا حتى يبلغ فمه.
هناك يبدأ الحساب…
يُفتح الكتاب، ويُنادى على كل واحد باسمه:
“فلان بن فلان، تعالَ للعرض على الله.”
فيقف بين يدي الجبّار، لا حاجب ولا ترجمان، ويسأله ربّ العالمين عن كل صغيرة وكبيرة.
كم آية حفظتها؟
كم مظلومًا أنصفت؟
كم يدًا أمسكت بها قبل أن تسقط؟
هل نظرت إلى السماء يومًا وقلت: “يارب” بصدق؟
هل مرّ عليك فقير فبكيت له؟
هل كنت عبدًا لله أم عبدًا لهواك؟
على تلك الأرض، لا يستطيع أحد أن يكذب، فالألسن تُختم، وتشهد الأيدي والأقدام، حتى الجلد ينطق.
ثم بعد الحساب، إمّا إلى الجنة، دار الكرامة، أو إلى النار، والعياذ بالله، بحسب ما زرع الإنسان في حياته.
فهنيئًا لمن عمل لتلك الأرض، وبكى في خلواته، وصدق في نيّته، وأعدّ للسؤال جوابًا.
تلك الأرض التي لم يُعصَ الله عليها، ستكون شاهدة علينا… فكيف نحبّ أن نشهد يومها؟