السبت , 27 يوليو 2024

د. سعاد عمر سواد تكتب: رسائل تائهة (1)

= 561

لا أدري..
متى ستقرأ ما كتبتُ، ماذا ستعتبر حروفي، هل ستُحاول استكشاف أغوارها لتنال مقصدي، أم أنك ستودعها في الذاكرة المؤقتة؟

إني حائرة، ماذا ستكون ردة فعلك حين تقع بين يديك؟

أتعلم! كل الصور التي رسمتها مخيلتي عنك باهتة، جامدة، مشاعرك نحوي ضائعة، ومشاعري جياشة سيَّالة بفيضٍ من الحنان، الحب، الشوق، الألم، الحزن، الغضب، مشاعر كثيرة عصفت ولا زالتْ
تعصف بقلبي دون أن أجد له فرارًا أو قرارًا.

ترى، هل ستجد رسائلي مرساها بقلبك أم أنها ستظل تائهة ككل مرة أكتب لك فيها إليك؟

الشيء الوحيد الذي أعلمه عنك هو أنك هاربٌ، هاربٌ مني، لِم؟! لا أدري!

*
من منَّا لا يعرف لصوص الوطن، السالبين للحقوق، الناهبين للثروات، التاركين لأهلهم يتجرعون مرارة الفقر، وشظف العيش، وقسوة الحياة، راحلين بكل الخيرات لهم لتتكدس جيوبهم، وينعموا بها دون
غيرهم، لكن جرمهم لن يدوم، سيحاسبون عليه آجلاً أم عاجلاً، وسينالهم العقاب في الأرض والسماء معاً.
بيد أن جرماً واحداً –حين وعيتُ- لم يكن في سجل القضاء أبدًا، ولا أدري كيف أُدرجه فيه حتى ينال
مرتكبوه القصاص العادل.

إنه الرحيل!

الراحلون هم لصوص العمر، لصوص المشاعر، سلبوا الابتسامة، وتركوا حيارى على قارعة الطريق ينتظرون إطلالتهم، يتوسلون من العابرين بقايا من عبقهم ليكملوا حياتهم، وينسحبون بصمت يغالبون
الدمعات حين يتملكهم اليأس من عودتهم.

يقارعون لصوص الحياة وحدهم، يتجرعون فقر المشاعر، يقاومونه بكل قوة حتى لا يصيب الكساد قلوبهم، فتغدو خريفًا أزلياً لا يتعاقبه ربيع، ويدفعون بأرواحهم ضريبة الرحيل في كل ساعة وحين.

وكنتَ أنت في أول قائمة الراحلين (مجرمًا) لم يُحكم الزمن أصفاده حول معصميك بعد، ولم يسقك إلى محكمة الانسانية. وكل من حولك لم يدركوا أن ثمة ضحايا مزقتهم بجرمك غير المشهود، ضحايا أنينهم
وآهاتهم لم تستطع اجتياز صمتهم.

لكني سأحطم قلاع الصمت، سأتجاوز أسواره، سأهجو رحيلك، سأنبذه، سأشكوه، سأجد محكمة في الأرض أو السماء، وأرفع قضيتي ضدك علّي أجد إنصافًا لقلبي، واستعيد حقي المسلوب بجرم
(الرحيل).
سأقاضيك وإن كنت أبي.

—————
* كاتبة وطبيبة من اليمن.

شاهد أيضاً

د. سعاد سوّاد تكتب: رسائل تائهة (2)

عدد المشاهدات = 5492  صقيع قلبك قارسٌ جداً يا أبي… إنه يذكرني بأول يومٍ أشرقت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.