—
مسقط، خاص:
شكَّل الخطاب التاريخي الثاني للسلطان هيثم بن طارق، في الثاني والعشرين من فبراير المنصرم، خريطة طريق في مسيرة مستقبل بناء عمان، ورسم خيارات أكثر استراتيجية في الأداء الوطني، انطلاقاً من المنظومة المعززة لنهج التكاملية والتناغمية والشراكة، فهو خطاب المرحلة بامتياز.
تضمن الخطاب محددات ومعطيات ومسارات وثوابت ومرتكزات، وتشخيص دقيق للواقع الوطني بكل تفاصيله، وقراءة استراتيجية للمعطيات الحاصلة في المنظومة الداخلية والخارجية، وفهم معمق يرصد مجريات الأحداث الدولية والإقليمية، ومسار يضبط قنوات التفاعل ويحدد موجهات العمل وبوصلة الأداء، ويستشرف في الوقت نفسه معايير التطور العالمي والتقدم التي انتجه الفكر الإنساني.
حدد الخطاب بوصلة العمل القادمة وآليات الإنجاز وأجندته، ومحطات التغيير التي يشملها، والأدوات التي يعتمد عليها، وممكنات القوة التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف وبناء القوة في الأدوات، مرحلة جديدة عنوانها “الانتقال بُعمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتى المجالات”، لذلك كان التعاطي معها يجب أن يكون بقدر ما حمله هذا الخطاب التاريخي لعمان المستقبل، وفق أدوات واضحة واستراتيجيات دقيقة، وآليات تشخيص مقننة، وشراكة عملية فاعلة، لمرحلة جديدة قوامها العمل المسؤول المخلص، والعطاء النوعي المنتج.
ومزيد من الحكمة في إدارة الموارد المالية والبشرية وحسن التوظيف لها، والمعرفة بآليات تحقيق الاستدامة في المال، والفهم المعمق لطبيعة الظروف والمتغيرات الحاصلة، مستفيدا من الأطر السابقة والمنهجيات وبرامج العمل والإضافة عليها، والتي أنتجتها رؤية عمان 2040، مستلهمة من مشاركة كل أطياف المجتمع فيها وبمختلف شرائحه وقطاعاته طريقها للوصول بها إلى أرض الواقع والدخول بها إلى عمق الحدث وتفاصيله، وهو ما سيعزز من فرص تحقق نتائج أكثر وضوحا ستقدم نتائج ملموسة على الأرض تنعكس على زيادة الدخل والتنويع الاقتصادي وتحسين الحياة المعيشية للمواطن وتمكينه من الوصول إلى استحقاقات قادمة يحقق فيها أهداف عمان المستقبل، وينطلق منها نهج العمل في الاختيار الحصيف والانتقاء الرشيد للقيادات التي ستؤتمن على مستقبل عمان.
لقد جاء خطاب السلطان هيثم، مؤكدا على البعد المنظومي في قراءة مسارات العمل التنموي، وفي إطار التأكيد على منحى التكامل والتناغم والتفاعل بين مختلف منظومات البناء الداخلي (منظومة القوانين والتشريعات، والمنظومة الاقتصادية، والمنظومة الاجتماعية، والمنظومة التعليمية، ومنظومة البناء القيمي والأخلاقي، ومنظومة المواطنة والهوية، والمنظومة الأمنية).
وتناول الخطاب الثوابت السياسية الخارجية لعمان، والسياسة الخارجية وملامحها على النطاق الخليجي، والعربي، والعالمي؛ وهو تناغم في عمل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية دون تداخل بينها أو ازدواجية في أعمالها انطلاقا من مبدأ فصل السلطات، في ظل ما أشار إليه في ما يتعلق بدور السلطة التنفيذية من خلال اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، والإعلاء من قيم العمل ومبادئه وتبني أحدث الأساليب فيه، وتبسيط الإجراءات؛ ومراجعة أعمال الشركات الحكومية مراجعة شاملة بهدف تطوير أدائها ورفع كفاءتها وتمكينها من الإسهام الفاعل في المنظومة الاقتصادية، وتوجيه الموارد المالية الوطنية التوجيه الأمثل بما يضمن خفض المديونية، وزيادة الدخل، وانتهاج إدارة كفؤة وفاعلة تضع تحقيق التوازن المالي، وتعزيز التنويع الاقتصادي، واستدامة الاقتصاد الوطني، في أعلى سُلّم أولوياتها؛ وتعزيز قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وقطاع ريادة الأعمال لا سيما المشاريع التي تقوم على الابتكار والذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة؛ وتدريب الشباب وتمكينهم للاستفادة من الفرص التي يتيحها هذا القطاعُ الحيوي ليكون لبنةً أساسية في منظومة الاقتصاد الوطني؛ وتطوير إطار وطني شامل للتشغيل بما يؤدي إلى استمرار تحسين بيئته في القطاعين العام والخاص؛ ومراجعة نظم التوظيف في القطاع الحكومي وتطويره، وتبني نظم وسياساتِ عمل جديدة تمنح الحكومة المرونة اللازمة والقدرة التي تساعدها على تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد والخبرات والكفاءات الوطنية، واستيعاب أكبر قدر ممكن من الشباب وتمكينهم من الانخراط في سوق العمل؛ لضمان استقرارهم، ومواكبة تطلعاتهم استكمالا لأعمال البناء والتنمية؛ ليتجه إلى دور السلطة التشريعية في المحافظة على التوازن في عمليات البناء الهيكلي المؤسسي وعبر تحديث منظومة التشريعات والقوانين وآليات وبرامج العمل وحوكمة الأداء، ودراسة آليات صنع القرار الحكومي بهدف تطويرها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا، وإيلاء هذه الجوانب كل العناية والمتابعة والدعم، وتطوير الأنظمة والقوانين ذات الصلة بكل جوانب العمل المؤسسي بدون استثناء.
تبقى الإشارة إلى أن خطاب السلطان هيثم، وهو يؤسس عمان المستقبل على إرث حضاري عظيم ومنهج علمي رصين، يضع أمام الشباب خاصة وأبناء عمان عامة مسؤولية أن يكونوا يدا واحدة تبني وتنتج، وتعطي وتمنح، وتؤسس وتبادر وتضحي، فيستنهض في أبناء عمان الهمم ويستنطق فيهم معين القيم والمبادئ والأخلاق التي وسعت عمان وقامت عليها نهضتها.
فإن معطيات المرحلة والمستقبل بحاجة إلى تكامل الجهود وتقاسم المسؤوليات والمزيد من الشفافية والمصداقية والموضوعية في التعاطي معها وتكريس جهود التقييم والمتابعة والتشخيص والرصد والتقنين والضبطية والتفعيل والدمج، بالشكل الذي يضمن اكتمال أدوات العمل وكفاءة مسارات الإنجاز ورصانة موجهات الأداء، ويبقى تحقيق هذه المرتكزات واقعا ملموسا مرهونا بكفاءة المورد البشري القادر على ترجمة ذلك سلوكا يمشي على الأرض، وهم أبناء عمان المخلصون من يحفظ بهم العهد، وتقوى بهم الأمانة، الحافظون لحدودها والعارفون بحقوقها، الساهرون على أمنها، والحاملون لرسالته، والواعون بسياساتها، والمنتصرون لمبادئها في ثبات واتزان وحكمة ومصداقية.
وقد أشار الخطاب إلى هذه الحقيقة التي تتجلى في سلوك أبناء عمان وولائهم وانتمائهم واعتزازهم وفخرهم، وفي ظلال الوعي وإدراك المسؤوليات وصحوة الضمير وبناء المخلصين وانتقائهم، وتكريس الجهد واستفراغ الوسع للقيام بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم كل في مجاله واختصاصه والالتزام بما تمثله هذه المبادئ في مسيرة البناء الوطني.