لا ريب أن الحروف قد تخلق أحيانا عالما من الفوضى اللذيذة، التي يمكن للمرء من خلالها أن يرى بعين جديدة، ترضي فضوله وتحطم أصنام الرتابة لديه، سيما إذا كانت تلك الحروف.. حروف من سكر تضفي حلاوة على المعنى المرجو ومتعة لا نظير لها في فهم مقاصدها، فمن المؤكد سيتذوقها بلهفة محببة …
وها أنا أحاول القبض على بعض بنات أفكاري لأجعل لكم من هذه الحروف روضة جميلة يانعة يستريح فيها المتعب والحائر والحالم ..إننا في هذا العصر السحيق الذي انتشر فيه مرض التفوق انتشارا مذهلا بل تحول إلى مرض جنون العظمة في أحايين كثيرة، ما جعل هواجس النفس لدى الكثير منا تتسابق لتدفعنا إلى قطع دابر الأمل في غد أفضل لنا يعترف بتميزنا و صدق رسالتنا، بعد أن تصدر هؤلاء واجهة الحياة برمتها، وفتحت لهم الأبواب على مصراعيها في حين أوصدت بإحكام في وجوه كل المتميزين على الأغلب ..فماذا نحن فاعلون ؟ هل نطعن في إيماننا بذواتنا الطواقة، ونستسلم لهذا البخس الإجتماعي المؤلم, أم ترانا نركب سفينة الإصرار ونجدف بمجاديف التحدي إلى أن يحدث الله أمرا كان مفعولا؟
يقول الشاعر الروماني ” هوراس”: “لا تبحث عن الكلمات أو الحروف ابحث فقط عن الحقيقة أو الفكرة وعندئد تتدفق الكلمات من دون أن تسعى إليها”، ولقد صدق هذا الشاعر الشهير فيما زعم.. وإنني أحاول منحكم وأنتم نظرائي في سلامة الطبع وعمق النظرة وفي درب الطموح جرعات لا تنتهي من التفاؤل الرحب، لتمزقوا وأمزق معكم حجب الرداءة المبرقعة بالحرية والتنوع ..نحن الذين نغرد دائما خارج السرب وبقلوب مدججة بالحنين إلى حيث الشغف الذي ولى مهرولا هاربا إلى زمنه الجميل، بعد أن أسقطته هذه التكنولوجيا المتوحشة من عليائه ..لا يمكننا إلا أن نتنزه عن الدنيات وسفاسف الأمور ونحن نسعى في مدارج الرقي، وأبدا لن نكون كغرقى طافحين على أمواج العبث والتفاهة ..ببساطة لأننا بشر من طرار آخر ..
لكم أتمنى أن تنساب حروفي السكرية إلى وجدانكم يا رفاق الفكر والذوق والجمال كما ينساب في حلق أحدكم الماء الزلال، ها نحن نعيش اليوم زمنا صعبا قاسيا، وبالأحرى مقلوبا، انقلبت فيه موازين كل شيء فلا فرق بين الغث والسمين ولا بين الزبد والماء ..كل سواء في مصنع العولمة المرقمنة، فاختلط الحابل بالنابل وحل السراب ضيفا مرغوبا يجلس على أريكة الزيف يضحك بكل سخريته..
ولعمري فإن الحياة ها هنا ضرب من المستحيل لأصحاب القلوب النقية والأفكار النيرة العميقة والأيادي البيضاء المبدعة..ولكن هل عسانا نترك لهؤلاء الذين تصوروا أن الدنيا لا تدور إلا في محرابهم الممل مضمار الحياة ونتوارى؟.. فلو فعلنا ذلك لم ننصف أنفسنا ولا غيرنا ولا حتى الأجيال الناشئة، لذلك علينا أولا أن نعيد اكتشاف بوصلتنا الداخلية ونعمل على توهج دائم لمصابيحنا الذاتية، فهي زادنا إلى ذلك المجد الذي تطاردنا نكهته كل لحظة حتى عندما تلفظنا أحشاء الليل البهيم إلى القلم والورقة.. ثم علينا ان نعيد كل مرة رسم قوس قزح لترى أعيننا تلك الألوان الجذابة التي تشحننا بين الفينة والأخرى نحو آفاق أوسع على هذه المعمورة، وأيضا حتى لا نبتئس عندما نرى لونا واحدا طاغيا يرتب الحياة وفق أهوائه وحماقاته ..
أخيرا: يقال ان الإنسان دون أمل كنبات دون ماء، ودون ابتسامة كوردة دون رائحة، ودون إيمان بالله وحش في قطيع لا يرحم ..إذن فعلينا أن نتنفس بالأمل ونتحرك باليقين بالباريء عز وجل ونحن نعبر جسر الحياة لتحقيق أحلامنا العذبة ..ومهما كان القادم مجهولا فلا تراجع، فقط نستمر بثبات وثقة.
———————-
* كاتبة من الجزائر.