بقلم: د. سهير حسين عمارة
عاد إلينا دونالد ترامب، وكعادته، قرر أن يهبد تصريحًا من العيار الثقيل، وكأنه جالس في صالون منزله يتحدث عن مشروعات مقاولات، لا عن سيادة دول وشعوب بأكملها! الرجل، ببساطة شديدة، هدد بضرب السد العالي لو مصر “ما سمعتش الكلام”!
طبعًا، قبل أن نناقش هذه الفكرة العبقرية، دعونا نسأل أنفسنا: هل ترامب يعي ما يقول؟ أم أنه، كالعادة، أطلق تصريحًا دون تفكير، على طريقة “اللي يصحى الأول يتكلم الأول”؟
ترامب وموضة التهديدات العشوائية
الرجل مشهور عالميًا بتصريحاته العجيبة، فهو أول رئيس أمريكي يعتقد أن الدبلوماسية تُدار بتويتر (إكس)، وأن السياسة الخارجية تُناقش في منشورات فيسبوك. لكنه هذه المرة قرر أن يرفع سقف الدراما إلى مستوى جديد تمامًا، ويهدد بضرب أهم منشأة مائية في الشرق الأوسط، كأن مصر بلد صغير يمكن تهديده بجملة على عجالة قبل العشاء!
السؤال هنا: هل ترامب يعرف أصلًا أين يقع السد العالي؟ أم أنه يعتقد أن نهر النيل هو ذلك المجرى المائي الصغير بجوار الفندق الذي نزل فيه خلال زيارته للقاهرة؟ لا نستبعد أنه كان يبحث عن “سد النهضة” في خرائط جوجل، فضغط بالخطأ على صورة السد العالي وقال: “هو ده!”.
ترامب والسد العالي: خطة عبقرية أم فيلم أكشن؟
بافتراض أن ترامب كان جادًا في تهديده، فمن أين جاءته هذه الفكرة الفذة؟ ربما شاهد فيلمًا وثائقيًا عن السد العالي وأعجبته الفكرة، أو قرر أن يجرب نظريته الجديدة في إدارة العلاقات الدولية: “لو حد زعلك، هدد بتفجيره”!
لكن للأسف، يبدو أنه نسي بعض التفاصيل البسيطة:
1. مصر مش جزر المالديف – تهديد دولة بحجم وتاريخ مصر ليس كتهديد شركة رفضت تمويل حملته الانتخابية.
2. الشعب المصري لا يهدد – نحن نتجادل، نختلف، نغضب، لكن عندما يكون هناك تهديد خارجي، نصبح 100 مليون جندي جاهزين للرد.
3. السياسة مش تويتر – لا يمكنك تهديد بلد بضربة عسكرية وكأنك تكتب تغريدة ساخرة، فحتى لو كنت لا تفهم السياسة، كان عليك أن تسأل أحدًا قبل أن تتحدث بهذا الشكل.
ماذا لو حاول ترامب فعلًا ضرب السد؟
لنفرض جدلًا أن ترامب قرر تنفيذ تهديده. سيواجه تحديين رئيسيين:
1. من سيوافق على هذا الجنون؟ – الجيش الأمريكي لديه استراتيجيات، ومراكز دراسات، ومستشارون عقلاء، ولن ينفذ أمرًا كهذا لمجرد أن السيد الرئيس قرر أنه “مش عاجبه الوضع”.
2. رد الفعل المصري؟ – حسنًا، دعونا نتحدث بصراحة: مصر ليست الدولة التي تُهدد دون عواقب. وترامب لو راجع كتب التاريخ، سيجد أن كل من حاول تهديد مصر عبر العصور عاد بخفي حنين، أو لم يعد من الأساس!
في النهاية: مصر ليست للبيع!
يا سيد ترامب، نحن شعب صبور، لكن عندما يتعلق الأمر بالسيادة، فنحن نعرف كيف ندافع عنها. قبل أن تهدد دولة بحجم مصر، اسأل نفسك: هل أنت مستعد لعواقب كلامك؟ أم أن هذا مجرد تصريح جديد يُضاف إلى قائمة التصريحات التي جعلتك مادة للسخرية عالميًا؟
على أي حال، شكرًا لمحاولتك، لكننا مشغولون بمستقبلنا، وسدنا العالي سيظل شامخًا كما كان، بينما تصريحاتك ستذهب إلى أرشيف “أغرب ما قاله رئيس أمريكي في التاريخ”!