الأحد , 1 ديسمبر 2024

“الهوى غلاب”…قصة قصيرة بقلم “صابر الجنزوري”

= 9409

دائما ما أجعل أذني فى حالة استسلام
تام لنور الحلاق ولما لا وأنا قد سلمت له رأسي وما علي إلا أن أكون مسالما خوفا من ذلك الموس أو المقص الذى بيده وهذا الخوف والتوجس يجعلني منتبها ومتيقظا لحركة يده خاصة إذا انتهى من حلاقة شعرى وبدأ فى حلاقة ذقني!
ولأنى أحب الإستماع وأنصت جيدا لمن يتحدث معي فهو ينتهز ذلك ويبدأ حكاياته التى لا تنتهى إلا مع نهاية الحلاقة !
نور يحب الكرة وأستطيع أن أقول أنه مهووس بالكرة وتشجيعها ، فهو يشجع النادي الأهلى ويفرح لفوزه كثيرا ويفرح أكثر للمنتخب القومي عندما يفوز ويأخذ بطولة
فيخرج مع الجمهور يحتفل فى الشوارع ويغنى ويرقص ..
قال لى : تعرف يا باشا ؛ الأهلى هذا مصدر سعادتي فى الحياة !
كيف يانور ذلك ؟
قال : يا باشا ما أن وعيت على الحياة وكنت فى الابتدائية وأول ما لعبت كورة فى الشارع
لقيت الأولاد يحبون لبس الفانلة الحمراء ويهتفون للأهلى ومن ساعتها وأصبحت أهلاويا وأعشق اللون الأحمر..
ضحكت وحاولت كثيرا أن أثنيه ألا يخاطبنى بكلمة يا باشا لكن لا فائدة فهو دائما ما يطلق كلمة باشا على زبائنه ويغدق عليهم هذا اللقب حتى أصبحت الكلمة من مفرداته ومهما طلبت منه ألا يقولها وأقنعه أننا جميعا أبناء أدم ومتساوون يرفض عن قناعة أن العين لا تعلو عن الحاجب فأضحك معه وأقول أن العين تعلو على الحاجب يانور إذا ورمت وانتفخت إذا أصيبت بكدمة!
أتشهد عندما يحل أربطة الفوطة البيضاء التى حول رقبتي
ويقول نعيما ياباشا..
وقبيل أن أغادر وأنا أخرج ثمن الحلاقة من جيب بنطالي دخل شاب صغير من عمر نور وما لفت إنتباهي كان ذلك الجيتار الذى يحمله وبعد أن صافحه جلس على بنش صغير مواجه للمرآة وخلف الكرسي الذى يجلس عليه الزبون ، وجدت نور يطلب منى أن أبقى بقوله : لو حضرتك فاضي إجلس معنا واستمع لنا ، إحنا بنعزف جيتار وعود !
بجد يانور؟ قلت وأنا مندهش فأعدت النظر إلى حوائط الصالون فوجدت صورا لألفيس بريسلي وعمر خورشيد وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش!
وفى لمحة ذكية منه قرأ سؤالي الذى كنت سوف أسأله فأجابني : إحنا بندرس فى معهد الموسيقى نهارا ونفتح الصالون فى المساء وبعد نهاية اليوم نجلس نذاكر ونتدرب على العزف ..
جلست معهم فوجدته يغنى مقطوعة خفيفة لأم كلثوم تقول : هو صحيح الهوى غلاب ..ماعرفش أنا ! وعمر يعزف على العود،
وما أن انتهى حتى صفقت لهما وأثنيت عليهما ، نظر لعمر قائلا وضاحكا :
يالا شعبي علشان الباشا ينبسط!
وفجأة شعرت أنى أشاهد عدوية وهو يغنى زحمة يادنيا زحمة ..زحمة وتاهو الحبايب
زحمة ولا عادش رحمة ..مولد وصاحبه غايب !
الله الله يانور.. برافو ياعمر..
وانتهت السهرة وأنا سعيد بهما..
وتمضى الأيام وأنتقل للسكن فى منطقة أخرى بعد أن انتهت مدة إيجارى للشقة التى كانت فى عمارة جوار صالون نور للحلاقة ولم أعد أحلق عنده نظرا لبعد المسافة بيننا!
وعانيت كثيرا وبدلت أكثر من صالون للحلاقة بحثا عن حلاق لا يمسك أذني ويظل يسرد الحكايات ويسأل فى كل شيء وعن أي شيء وبالطبع لم أجد ورضيت بأقلهم هدوء لكن لم يكن هناك صور لألفيس ولا حتى عدوية!
بل كانت شاشة للتلفاز معلقة على الحائط!
وكعادتي أستسلم متوجسا وخائفا من الحلاق
وأتركه يحكى كما يريد ولا أستطيع أن أتدخل فى إختياره للقناة التلفزيونية التى تعودت على سماعها كلما ذهبت للحلاقة
وكانت قناة تعرض أغان حديثة وهى تقليعة جديدة فى الغناء كما أخبرنى سيد الحلاق اسمها أغاني المهرجانات وبينما كان يحلق لى
تركني قليلا عندما بدأت أغنية من تلك الأغانى
واستأذن مني قائلا : أسمع معي وشوف يا باشا صاروخ المهرجانات الجديد!
لم أنتبه لما قال كعادتى لأنى لا أحب هذا الغناء ورفع صوت التلفاز وعاد ليكمل حلاقته وترامى إلى أذني أغنية صاروخ المهرجانات تقول: فرتكه فرتكه راجعين نعمل دربكه راجعين نعمل دربكه ..
كنت قد انتهيت من الحلاقة وتخلصت من أربطة الفوطة البيضاء الخانقة وأخذني الفضول لمشاهدة صاروخ الغناء الجديد الذى يرتدى قميص مشجر وشورت فوق الركبة ورأسه حليقة من الجانبين فقط ويتراقص ويكرر كلمات الفرتكة فإذا به نور الذى يغنى وكان عمر خلفه يعزف على الجيتار وقد أطلق شعره ولفه فى صورة كحكة كما تفعل البنات ويقفزان مع الموسيقى الصاخبة وسط جمهور من الشباب والفتيات صغيرات السن وأسفل الشاشة كتب صاروخ المهرجانات
الشاب نور !

شاهد أيضاً

عرض مسرحية “تروما” للكاتبة ندى يسري الأحد بجامعة الإسكندرية

عدد المشاهدات = 934 تعرض يوم الأحد المقبل الثامن من ديسمبر على مسرح كلية التمريض …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.