الخميس , 18 أبريل 2024
غلاف ميلونجا

التجربة الوجدانية للشاعرة هالة الفحام فى ديوانها “ميلونجا”

= 4696


رؤية: صابر الجنزوري

الشعر تجربة وجدانية وشعورية راقية وإشراقة نور وحب تنبع من الروح لذلك فإن الشاعر أو الشاعرة إذا عاش أو عاشت تلك التجربة
فإنه يكتب بقلبه ونبضه وينعكس ذلك على لغته وتعبيراته والصور البلاغية والموسيقى الداخلية للقصيدة.

ولذلك فعندما أقرأ الشعر فإني أسمعه وأدركه بالقلب وبالطبع لا يحدث ذلك مع كل القصائد ولا مع كل الشعراء.

فهناك شعر نجد فيه الصنعة والتكلف فنشعر أننا نقرأ شعرا بلا روح ولا نبض.

يقول محمود سامي البارودي عن الشعر:
إن الشعر ومضة خيالية يتألق وميضها فى سماوة الفكر فتنبعث أشعتها إلى صحيفة القلب.
والشعر عند غازي القصبي هو الجمال حتى كأن الشاعر ليحس بزهرة إحساسا يفوق إحساس الناس بها ، إذ أن الشاعر يتعمق فى سر الزهرة وليس فى شكلها الخارجي.

ولذلك فإن الشعر كما يقول الدكتور يوسف فرنسيس فى كتابه النقدي ” أصوات النص الشعري “:
الشعر عند الشعراء كائن حي يتمتع بما يتمتع به الأحياء من حركة وإرادة ولا تمر لحظات الإنفعال دون أن تترك أثارها فى نفسه وذلك كله يرتبط بالتجربة الشعورية وبقضية الإلهام ومبحثها قديما وحديثا.

وهذا ما نجده فى ديوان الشاعرة هالة الفحام حيث نشعر معها بالتجربة الوجدانية والشعورية والتى أخذتنا معها فى عالم الإلهام فباحت بمشاعر راقية وأخذتنا معها فى جولاتها الفلسفية وأجواء المدينة الفاضلة فنشعر بوجود تأثرها بها وبمدينة أفلاطون الفاضلة التى تمنت أن تسكن فيها ، ثم تأخذنا فى عالم السفر فنرى معها فرنسا والباستيل والعطر الفرنسي مثل عطر “إسكادا” ونرى أسبانيا وأشبيلية ثم ندخل معها لعالم الموسيقى وسمو الروح ورقصة الميلونجا التى هى فى الأصل رقصة “التانجو” ولكنها تجعل التقارب بين الحبيبين كأنهما عاشقين فى لحظة سمو استثنائية.

الشاعرة هالة الفحام

تقول فى قصيدة:
أفلاطون سيبحث له عن مدينة بوسيدون
بلا بحر بلا نهر ولا ينبوع
لنحيا عمرين ونرحل مرتين.

وتقول فى قصيدة “أكتب لنفسي” لتعبر عن معني ميلونجا وقد كتبت الكلمة بالإنجليزية:
وحينما أكتب لنفسي
كما يقال لي
فهل أكتب ليعرفني الآخرون ؟
أم بي مس من ” نرسيس “؟
فأنا والبحيرة نأتلقان معا
فكما تذبح الآلام برياض الشوق
أعشق ميلونجا
“milonga”
فكما نري من القصيدة أنها تكتب لنفسها وتعبر عما تشعر به وتعيش تجربتها وتتساءل هل أكتب ليعرفني الأخرون أم بي “مس “
من “نرسيس”.

ونرسيس هنا صاحب الأسطورة الإغريقية التى ترمز إلى الغرور والإعجاب بالنفس والزهو الذى ممكن أن يؤدى للموت وكذلك عبرت عن معنى رقصة ميلونجا وفسرتها فى هامش تحت القصيدة بأن أصلها كوبي وهى كما قلنا شبيهة بالتانجو ولكن خطواتها سريعة ويكون الراقصان أكثر قربا والتصاقا.
وفى تعبيرها عن العطر تقول فى قصيدة
أمنيات مؤجلة:

أمنيات مؤجلة
أحلام مؤجلة
حتى أنت مؤجل
وأنا راحلة إلى إشعار آخر
راحلة مع الأيام
مع وهمك المقدس
راحلة بثوبي الجديد
وعطر إسكادا
Eskada
الثمين الذى يسألني عنك

وهكذا حتى نصل إلى آخر قصيدة
بعنوان ” فستان ليدي ترامب ” :

قميص يوسف فقد بصيرته
فستان ليدي ترامب
أصاب العقول فى مقتل
فوق قمم الأوليمبس
دفن الحب فى غياهب
جليد الأقطاب
وفى إنتظار ضمور ثقب الأزون
رفعت الأقلام وجفت الصحف.

وبنظرة سريعة على الديوان نجد أنه يتكون بعد مقدمة أكثر رائعة للدكتورة الشاعرة والناقدة الذرائعية دكتورة عبير خالد يحيا ..

نجد أن الديوان يحتوى تقريبا على خمسين نصا شعريا كلها قصائد نثرية قصيرة بدأت بمحكم التأويل وانتهت بفستان ليدي ترامب اعتمدت فيها على التجربة الوجدانية والموسيقى الداخلية للقصيدة والصور البلاغية والتشبيهات والإستعارات المكنية وانعكست ثقافتها وقراءتها وتجربتها الحياتية حتى أننا نشعر بها فى كلماتها وليس بين السطور.

ولعل تأثري بما قرأت ومن وحي القصائد جعلني أضع عناوين قصائدها وكذلك أكتب وأختار أروع المعاني والصور الشعرية لأقدمها للقاري
تحت عنوان ” من وحي الميلونجا ” فى صورة خاطرة نثرية وتجربة شعورية تفاعلية مع القصائد والكلمات ومعانيها وماوراء المعنى والكلمات.

فعبرت عن معانيها فى تناسق ومتتالية حسب ترتيبها وتتابعها فى الديوان:

من وحي “الميلونجا”
في ” محكم التأويل”
اخضرت الأرض عيدا
وطرحت الفيافي
وأزهرت العناقيد
قصائد عشق
هناك
بدأت الحياة حين رقصت
الحروف الميلونجا
ورأيت المونوريل فى ليل سهيل
ووجدت صوتا داخلي يقول أني
” أكتب لنفسي”

أذهب بعيدا وأجلس تحت اشجار الأكاسيا والتوتة والبيكانة أكتب أبيات لونجا الحياة وحليب البراءة ورقصات كازابلانكا وجنون غجر اشبيلية .. وعن الباستيل وألوانه الباهته وحجارته صلبة البنيان.

أتعبني الترحال فى اليابان وبلاد الغال وأفريقيا السمراء وأوروبا البيضاء وأمريكا التى كانت حمراء فكل الإجابات مؤقتة لحياة مؤقتة.

فأراني فى ” المرايا” أتعبد فى
صلوات عشق ، أهمس:

لماذا أنا أحبك ؟
فتأتي الإجابة فى “آخر أول قصيدة”
تقول:
صباي أنت
من أجلك أحيا
ماذا لو؟
فتظهر “أقمار حبيبي ” فأجد
“روحا ثائرة”
ونفس مبعثرة
من” انتحار الشغف “
لكنها تقول :
أنا كما أنا
فى سنة جديدة
وعيد الحب
عيدي أنا
فيأتي ” الإعتراف الأخير”
فيشهد أن :
الموتى لا يموتون
لكن قد تكون هزمتني فأحييتني
لأنك أسقيتني خندريس العشق
ونثرت عطر العشق
فلا وقت للحب
تساءلت : أفلا تعقلون ؟
فبحثت عن الحكمة فوجدت ربيعها
فى أهازيج البراءة
وأمنيات مؤجلة
ترسم صورة ” أبي “
وترثي “عمرو وعمر”
فتعبر عن حزن دفين
وأهتف : أين حبي ؟
وأين حياة القلوب ؟
أعود لنفسي فى يوم النصر
لأحيا فى وطن يشبهنا
يأخذني إليه حب وحنين
وصوت الموسيقى يبدأ من
مفتاح صول ؟!
ليضع النهاية عند وطن مفقود
فتتوقف القصيدة عن البوح
لأن الشر جاثم على أبياتها
فقميص يوسف فقد بصره
وفستان الليدي ترامب
أصاب العقول فى مقتل
وفوق قمم ” الأوليمبس “
دفن الحب فى غياهب
جليد الأقطاب
وفى إنتظار ضمور ثقب الأوزون
جفت الأقلام وطويت الصحف.

تحية تقدير للشاعرة أستاذة هالة الفحام ومبارك لها هذه التجربة الشعرية الصادقة والديوان الرائع الذى يشعر معه القاريء أنه يستمع ويستمتع بقصائد وكلمات وصور معبرة وصادقة وراقية نبعت من أعماق الوجدان.

شاهد أيضاً

الجمعة المقبل.. افتتاح جناح سلطنة عُمان في بينالي البندقية الدولي للفنون 2024

عدد المشاهدات = 1237 مسقط، وكالات: تشارك سلطنة عُمان يوم الجمعة القادم بجناح في الدورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.