الخميس , 25 أبريل 2024

مرفت العريمي تكتب: فتّش عن المعلم..!

= 2373

Mervat Oraimy 2

 

كلما أرى متميزا، أو متفوقا علميا أنظر وراءه،  فأجد المعلم يقف خلف هذا النجاح فخورا بما صنعه .. سواء أكان هذا المعلم مدرسا بالمؤسسة التعليمية، أم  فردا آخر من محيطه آمن به، وبامكانياته .. وكثيرا ما أتساءل  حول ماهية الوصفة المناسبة  لصناعة معلم عظيم  يتمتع بشغف وكفاءة علمية .. معلم يتخذ من التعليم  مهنة، ورسالة وليست وظيفة اجبر عليها لظرف ما ..  معلم  قدوة حسنه لتلاميذه  وليس مجرد نقال المعلومة العلمية .

 بين الحين، والآخر نرى نماذج  من المعلمين يشار اليها بالبنان ، فقبل أيام قرأت خبرا عن تأهل المعلمة حنان الحروب لجائزة أفضل معلمة في العالم لعام 2016   والجائزة منظمة من قبل مؤسسة فاركي، وهي  بذلك تكون تعد حاليا ضمن عشرة أفضل معلمين بالعالم،  وسيتمّ اعلان الفائز خلال شهر مارس القادم ، هذه المسابقة تهدف الى تحسين معايير التعليم في الدول الفقيرة،   وفكر حنان ينصبّ حول منهجية الحدّ من العنف من خلال التعليم، واللعب،  واستطاعت من خلال هذه المنهجية  تغيير في سلوكيات الطلبة، والحد من الحركة الزائدة ، ومعالجة تشتت التفكير  وتبسيط المعلومات والمنهاج  من خلال مجموعة من الوسائل التعليمية، وكتاب قامت باعداده تقول  حنان في ذلك الخبر“أنا لست معلمة فقط، أنا أشتغل مرشداً تربوياً وأخصائياً نفسياً، لأستطيع تغيير السلوكيات والصعوبات التي يعاني الطلاب منها والتشتت في التفكير من خلال اللعب لتبسيط المناهج وجعلها أكثر متعة وملائمة للطلاب”. وقالت إن اسلوبها التعليمي “أحدث فرقاً واسعاً في سلوكيات الطلبة وتحصيلهم العلمي ويمكن فوراً أن تلحظ التأثير المباشر”.

هذه المعلمة  قدمت نموذجا حيا  لرسالة المعلم، وقدرته على احداث التغيير بالمجتمع،  ولم يثنها عن عزمها الظروف الحرب الاستثنائية،  فقد آمنت أن المعلم أكثر من مدرس للمادة العلمية، وإن التعليم ليست وظيفة نتقاضى منها راتبا شهريا، والملم بمسيرة العظماء  من المعلمين  في التاريخ  القديم يجد ان التعليم لم تكن مهنة يتكسب منها المعلمون ، بل كان طالبي العلم يسافرون ألالاف الاميال وفي ظروف صعبة باحثين عن معلم جيد يكتسبون منه العلم، والمعرفة ، هذا الموقف يتوافق مع  حديث أحد المعلمين بجامعة هارفرد  يدعى بالمر حيث قال "ليس من العدل أن تدفع لي جامعة هارفارد  مبلغا شهرياً على وظيفة، وأنا مستعد  أن ادفع راتباً عليها لما فيها من شرف وهي  مهنة تعليم الشباب” .

 لا يمكن أن ننسى معلمينا  الأفاضل الذين منحوناالكثير من الوقت، والصبر، والحب ،لقد أحدثوا فارقا كبيرا في حياتنا ستظل محفورة في ذاكرتنا الى الأبد ، وعلى الرغم من مرور أعوام من تخرجنا الا أنهم مازالوا يتابعون مسيرتنا العملية بفخر واعتزاز، وفي  كل يوم أزداد قناعة أن  وراء كل عظيم، وناجح معلم عظيم  قضى حياته في تأدية رسالة نبيلة ، فالتعليم رسالة  تمحو الظلام من العقول وتنور طريق المتعلمين، فالمعلم هو الشخص الذي يمكن أن يحدث فارقا مهما في حياتنا ، أذكر نماذج حية لمعلمات غيّرن من حياتنا، فمعلمة اللغة العربية كانت استثنائية  جدا، فمثّلت نموذجا رائعا للحزم، والثقافة، والعطاء ، فاستطاعت أن تحببنا في مادة اللغة العربية على الرغم من صعوبة المناهج انذاك ، أما معلمة الرياضيات ، فقد أرادت أن تحببنا في المادة، فتحمّلت أن تعيد لنا الدرس عشرات المرات دون كلل، أو ملل، ولم تكن تغادر الحصة حتى تتأكد تماما أن الجميع مستوعب. تعلّمنا  من معلمة التاريخ أن معرفة التاريخ مهم حتى نكمل مسيرة الأجداد، فهي من كانت تسرد لنا التاريخ بأسلوب مشوق  لا يمل نعود بعدها لقراءة المزيد عن تلك الاحداث.. المعلم  لم يكن ناقل المادة العلمية فقط، بل كان مربيا ومقلما لسلوكيات التلاميذ، ساعدهم على الاختيار السليم  ،عندما كانت المدرسة تعد مؤسسة تربوية، وتعليمية  والمعلم هو حجر الزاوية في العملية التعليمية ،ولن نبالغ لو قلنا أن صلاح المجتمع من صلاح التعليم، وصلاح التعليم من صلاح المعلم ، لذلك تولي الدول المتقدمة علميا قيمة كبيرة للمعلم ،  ويتم اختياره بعناية  فائقة تتخطى المؤهل العلمي.

 معظم الدراسات تؤكد أن تدهور المجتمعات ناتجة عن تدهور التعليم،  فهو العمود الفقري لأية نهضة وتطور ، ولا يمكن تحقيق اية تنمية دون بناء الانسان علميا، وصحيا ، والتعليم ليس فقط مسؤولية مؤسسات التعليمية بل ان  وسائل الاعلام ايضا مكملين لدورها في تقديم جرعة تعليمية وتوعوية وفق استراتيجيات الدولة.

 فالمعايير المعتمدة لاختيار المعلمين في بعض دول العالم عبارة عن سلسلة من الاجراءات، والاختبارات تبدأ منذ التحاق بكليات، أو معاهد  اعداد المعلمين،  وتظل مستمرة  حتى بعد التوظيف ، وفي فرنسا يجب ان يجتاز المعلم اختبارات صعبة ، ولا يتعدى نسبة الناجحين 40? من اجمالي المتقدمين .

 قبل عقود أقرّت الحكومة السنغافورية  برنامجا يسمى جودة المعلم  للارتقاء بالمعلم، ومهنة التعليم، والقضاء على الصورة النمطية السائدة حول المعلم  بعد أن وجدت الحكومة أن هناك نسبة تسرب بين صفوف الطلاب في المرحلة الابتدائية ،وبعد تطبيق المشروع  تحسنت المنظومة التعليمية كثيرا.

 أما في اليابان، فإن المعلم يجب أن يحصل على رخصة مزاولة مهنة التدريس  بعد أن يخضع للتدريب العملي لمدة 6 اشهر بعد تخرجه من جامعة متخصصة لاعداد المعلمين  علميا وتربويا  ، هذه التراخيص تجدد كل عشر سنوات  خلالها يتوجب على المعلم  أن يجتاز ساعات التأهيل، والتدريب،  والاطلاع على أحدث المعلومات والوسائل التعليمية  في مجال التعليم .

إذن، فالتعليم ليست وظيفة، بل رسالة لأن المعلم يبني انسانا صالحا معرفيا، وسلوكيا، وكما قالت د. مارغريت غيل المختصصه في تعليم الموهوبين " إن الفرد الذي لا يؤمن بقدرة الطفل على التعلم لا مكان له في مجال التربية والتعليم".

  ..لكل معلم مخلص أقدم له تحية اجلال وتقدير لجعله التعليم رسالة انسانية.

——————————

* مديرة مركز الدراسات والبحوث بمؤسسة عمان للصحافة والنشر.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 3358 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.