السبت , 20 أبريل 2024
د. وفاء الشامسي

الكاتبة وفاء الشامسية: مازال الطفل يُمسك بالكتاب الورقي رغم دخول الكتاب الإلكتروني والتطبيقات الذكية

= 1395

مسقط – العُمانية

يتجسّد النتاج الأدبي للكاتبة العُمانية الدكتورة وفاء الشامسية في حضور التنوُّع بين الشعر والسرد، مرورًا بالتخصص في أدب الطفل واليافعين، والمتتبّع لأعمالها الأدبية سيقفُ بداية حيثُ أدب الطفل، فقد شاركت في
الاشتغال على “برنامج افتح يا سمسم”، وكتبتْ لصالح مؤسسة بيرسون العالمية
المتخصصة في إنتاج كتب الأطفال، ولها أكثر من 150 قصة ما بين المنشورة ورقيًا، أو
المُنفّذة صوتيًا، أو تم تقديمها في برامج إذاعية وتلفزيونية محليًا وخليجيًا. وللدكتورة
الشامسية أعمال عديدة في مجال الكتابة الإبداعية لقصة الطفل، والمسرح والدراما،
مرورًا بالمشاركات العلمية الدولية المُحكَمة، كما أشرفت على تنفيذ مجموعة من المشاريع
الثقافية والأدبية على مستوى السلطنة، على المستويين الرسمي والخاص.

الحديث عن الأدب ومقتضياته مع الشامسية قد يبدو متداخلاً، ولكن في النهاية ثمة تقاطع
للأفكار؛ فهي تنطلق من مبدأ أنّ اليد الواحدة لا تصفّق، ونجاح الآخر هو نجاح لها؛ لذلك
هي تعمل بقدر ما تستطيع على تعزيز ثقافة الطفل، وتمكين الكتابة في هذا المجال،
بحسب تعبيرها.

لقد مارست الدكتورة الشامسية الكتابة في مجالات الشعر والمسرح وأدب الطفل، وهنا
تُعلّق على وجود ذاتها الإبداعية في تلك المجالات وتُشير إلى أنّ أدب الطفل هو الأقرب
إليها، وتُضيف: الانتقال أحيانًا بين مختلف الأجناس يكون بمثابة البحث عن النَفَس، أو
محاولة لإشباع جزء منها، أو إرضاء الذات التي تُجبرك على الإنتاج في مجال بعينه؛
فبعد رحلة ليست بالقصيرة، ومغامرات جمعتني بالشعر والقصّة والمسرح، وجدت أني
أميل أكثر لأدب الطفل، بغض النظر عن استمراريتي في كتابة الشعر والنصوص
المسرحية الموجهة للكبار؛ فأدب الطفل كان يستحق مني أن أصقل مهاراتي بداية، وأن
أتمكّن من فنّياته المختلفة لأبدأ فيه فعليًا بدايةً حقيقية وقوية تستند إلى قاعدة متينة. صحيحٌ
أنني كتبت للأطفال شعرًا ومسرحًا، ولكنها لم تخرج من الإطار التقليدي إلى الإطار
الإبداعي إلا بعد أن وجدت وفاء نفسها قادرة على التعاطي والتماهي مع هذا المجال.

وحول طغيان حضور وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف توجهاتها، هنا تُشير الشامسية
إلى ما إذا أصبح جيل الأطفال الحالي بعيدًا عن الكتاب الورقي وتوضح بقولها: لا أعتقد
أنّ الابتعاد مصطلح دقيق لاستعماله هنا؛ إذ نرى من واقع الحال أنّ الطفل ما زال يُمسك
بالكتاب الورقي رغم دخول الكتاب الإلكتروني وانتشار التطبيقات الذكية التي تُتيح فسحة
كبيرة من الخيارات، والانتقاءات المتنوعة، والمصحوبة بطريقة عرض مبتكرة؛ فالإنسان
بطبيعته يحب التعامل مع المادة الموجودة بين يديه، والطفل خصوصًا يستمتع بالكتاب
الورقي أكثر من الكتاب الإلكتروني، ومع التطوُّر التقني وملاحقة الثورة الصناعية
الرابعة ورغبة الجميع في أن يشهدوا نقلة نوعية فيما يتعلق بوسائل التعلم والمعرفة
الموجهة للطفل، إلا أنني أعتقد أن الكتاب الورقي سيبقى ذا حظوة مميّزة بين يدي
الأطفال والكبار، خصوصًا مع وجود مناصرين للكتاب الورقي، ومع ما أثبتته الدراسات
من أهمية ذلك، وخطورة قضاء الطفل وقتًا كبيرًا أمام الأجهزة الذكية.
وما إذا واكب المختصون بأدب الطفل التقنيات الحديثة الموجهة للطفل تُشير الشامسية إلى
أنّ من خلال ما تمت مشاهدته في الفترة الأخيرة، وتحت وطأة جائحة كورونا؛ توجّه
الكثيرون من المتخصصين في صناعة ثقافة الطفل إلى توظيف التكنولوجيا ومعطياتها في
دمج أدب الطفل بشكل أكبر بهذه التقنيات، وتؤكد بقولها: ظهر هذا جليًّا من خلال التوسع
فيما تقدّمه التطبيقات الذكية للأطفال، وانتشار قنوات التواصل الإلكترونية، واستثمار
منصات التفاعل الاجتماعي للوصول للطفل، وتقديم مادة مناسبة له عبر الفضاء
الإلكتروني، لكننا في حقيقة الأمر ما زلنا بحاجة إلى كثير من الدربة والمهارة للتمكّن من
الإبداع في تقديم ما يناسب الطفل، وتجويد ما يُعرض له.

للكاتبة وفاء الشامسية العديد من الجوائز آخرها جائزة أدب الدولة القطرية في مجال
تأليف النص المسرحي للأطفال عام 2020م، وهنا تتحدّث الشامسية إلى مدى إسهام مثل
هذه الجوائز في دعم الأديب، موضحة بقولها: من وجهة نظري الشخصية فإن الداعم
الأول للأديب هي منافسته مع ذاته ليكون في كل خطوة أفضل من السابقة، ولا أُنكر طبعًا
ما للجوائز من دعم على المستويين المعنوي والمادي للفائز، والفوز في أي جائزة هو
تأكيد على مهارة الأديب، وعمق طرحه، وتميُّزه في معالجته للفكرة وتقديمها في قالب
أدبي أصيل. إضافة إلى أنّ الفوز يقدِّم الأديب للآخرين، وبالتالي تُصبح مساحة معارفه
واسعة، وهذا ما يحمّله مسؤولية أكبر تجاه جمهوره، وتجاه ما يبدعه من نصوص. ولا
شك في أن المسابقات تعد حافزًا أيضًا لإنتاج مزيد من النصوص بمعايير ذات جودة
عالية، وهذا له كبير الأثر في دعم الحراك الثقافي، ورفد المكتبة العربية بكل ما هو
متميّز ومبدع سواء أكان للطفل أم لغيره من الكبار.

وقد يكون للمبادرات التطوعية وقعٌ خاص في حياة الكاتب، وللشامسية مجموعة من
المبادرات الثقافية المدنية نجحت في تحقيق أهدافها، وهنا تُشير إليها: أبرز المبادرات
الثقافية التي بدأتها كان /صالون مساءات ثقافية/ الذي دُشِّن بمناسبة يوم المرأة العُمانية في
العام 2012م، وقد قام بناءً على دراسة مسحية استغرقت شهرين في محافظة البريمي؛
نظرًا للموقع الجغرافي، وبُعد المحافظة عن العاصمة مسقط، وأيضًا قلة حظها في
الفعاليات والبرامج التي تُنظّم من خلال المؤسسات المعنية بالثقافة في تلك الفترة، وتمركز
الفعاليات في العاصمة؛ وكان لا بدّ من خطوة جريئة لتنظيم مبادرة أهلية تُعنى بالأقلام
النسوية، من هنا انطلق صالون مساءات ثقافية، الذي كان يعقد جلساته كل يوم أربعاء،
وتنوعت بين جلسات القراءات الأدبية، والورش التدريبية، وبرامج الأطفال وغيرها،
وكان له قصب السبق في تأسيس المعسكرات القرائية، وتوزيع المكتبات العامة في قاعات
الانتظار في المؤسسات الخدمية، إضافة إلى مشروع عُنِيَ بتوزيع ما يقارب من 50 مكتبة
على أطفال الضمان الاجتماعي، والدخل المحدود، إذ احتوت كل مكتبة على ما يربو عن
(30) إصدارًا متنوعًا للأطفال.

قدَّم الصالون نقلة ثقافية مهمة للمحافظة، وكانت له مشاركات متنوعة في معرض مسقط
الدولي للكتاب، سواء أكان ذلك على مستوى التنظيم أو التقديم. ومع ظهور مبادرات
ثقافية أخرى في المحافظة، توجه الصالون إلى المساحة الرقمية من خلال تقديم قراءات،
وتغطيات ثقافية متنوعة في قناة اليوتيوب أو صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة به،
والتي تمركزت حول أدب الطفل مؤخرًا. وقد حقق الصالون مراكز متقدمة عدة؛ فقد
حصد المركز الثاني في جائزة المبادرات المجتمعية الثقافية في معرض مسقط الدولي
للكتاب لعام 2017 إن لم تخُني الذاكرة، وحصل على المركز الأول في مسابقة المبادرات
الثقافية الإلكترونية التي نظمها النادي الثقافي عام 2018م، وحصل على الوسام الذهبي
من الشيخة أسماء بنت صقر القاسمي.

وتُضيف الشامسية في شأن المبادرات الثقافية المدنية: تلا ذلك منصة ((FW لتنمية
الإبداع، وهي منصة تطوعية لتقديم الخدمات التدريبية في مجالي الكتابة الإبداعية
المرتبطة بالأطفال والمربين والمهتمين بطرقٍ تواكب لغة العصر الافتراضية وتدريب
الأشخاص المحيطين به وتمكينهم وصقل مهاراتهم سواء أكان هذا الشخص أبًا أو أمًا أو
كاتبًا أو رسامًا أو تربويًا مهتمًا بتطوير قدراته في رعاية الطفولة. فكرة المنصة تقوم على
تقديم المعرفة عن بُعد، ومشاركة الجمهور في توفير مساحة من التواصل والتفاعل
متجاوزين فيه البُعدين الجغرافي والزمني، وقد جاء هذا المشروع -كما أوضحت
الشامسية- كإحدى المبادرات التي اعتادت القيام بها، وتنفيذها مع المدرّبة والباحثة فاطمة
الزعابي، إذ تقول: لإيماننا بالمسؤولية المجتمعية، ورغبتنا في توظيف ما اكتسبناه من
معرفة في تمكين الآخرين وإعدادهم لتحقيق ثقافة طفلية أصيلة؛ فقد سعينا إلى توحيد
الجهود وتعزيز المعرفة.

تختتم الدكتورة وفاء الشامسية تطوافها في هذا السياق الأدبي وهنا تُشير إلى أدب الطفل
العُماني، وموقعه ومكانته في الساحة الثقافية، وتقول: لا يخفى على أحد من خلال تتبعه
لواقع أدب الطفل العُماني ما يلقاه من اهتمام واسعٍ على مستوى الكتّاب والمهتمين
والمتخصصين، وليس أدلّ على ذلك من وفرة الإصدارات وتنوّعها، إضافة إلى ما يُضاف
سنويًا إلى رصيد الإصدارات العُمانية في هذا المجال لدى دور النشر الخليجية والإقليمية،
ومشاركة الرسّام العُماني في رسم كثير من قصص الأطفال على المستوى الإقليمي.

شاهد أيضاً

الجمعة المقبل.. افتتاح جناح سلطنة عُمان في بينالي البندقية الدولي للفنون 2024

عدد المشاهدات = 3979 مسقط، وكالات: تشارك سلطنة عُمان يوم الجمعة القادم بجناح في الدورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.