الخميس , 25 أبريل 2024

مدرين المكتومية تكتب: الوصفة السحرية.. للفشل!

= 5109

ربما أغلب، إن لم تكن كل، مؤتمرات وورش العمل والمحاضرات والندوات والمنتديات الخاصة بالتنمية البشرية، تتحدث دائما عن “القيادة” وصفات “القائد الناحج”، وكيف يمكن للمدير أو المسؤول أن يتحلى بخصائص قيادية تساعده على إنجاز العمل الموكل إليه، بل وتعينه على تطوير العمل وغرس صفات القيادة في نفوس العاملين والموظفين المؤتمرين تحت إمرته.

من المؤسف أنَّ الأمر في كثير من الأحيان لا يعدو سوى “حديث” أو “كلام” عن القيادة، حتى من القادة أنفسهم، مدير… مسؤول.. وزير.. إلخ! وكأننا فعلا نؤكد على انعدام تطبيق صفات القيادة، كم أننا غالبا لا نجد القائد بيننا، في العديد من المواقع على مستوى العمل الحكومي وحتى في القطاع الخاص، وهذا الأمر يقودني للحديث عن مسألة ذات صلة بالقيادة والقيادات وما يتم اتخاذه من قرارات، فتأتي “ردود الأفعال”، سواء من المجتمع المتلقِّي لقرارات المسؤول، أو حتى المسؤول نفسه عندما يبدأ في الدفاع عن قراراته، بطريقة “رد الفعل”، فتراه يبحث دائما عن مبررات لما أقدم عليه، في حين أنه لو كان واثقا من نجاعة قراراته، فإنه سيظل يؤكد مدى صحتها بإثبات نجاح تطبيقها، وليس بإثبات مبررات اتخاذ القرار!! المسؤول الواثق من قيادته الناجحة لمؤسسته أو وزارته، ينطبق عليه قول الشاعر المصري إبراهيم ناجي في رائعته “الأطلال”: “واثق الخطى يمشي ملكًا”!

إننا نريد المسؤول الواثق من نفسه، المتأكد من أن قراراته وإجراءاته اتُّخذت للصالح العام، ومنفعة الوطن والمواطن، لا نريد مسؤولا يكرر أخطاء الماضي، ويمضي على درب السابقين، ويخطو خطوات السلف! نريد المسؤول الواضح المتحلي بالشفافية المقتنع بمسألة التشاور مع الأطراف المعنية قبل اتخاذ أي قرار، وليس من يحتكر الرأي والقرار، ثم إذا تفاقمت حدة المعارضة لقراراته وإجراءاته، أخذ يتلوَّن كالحرباء، فيبدأ في تغيير جلده ولونه، أقصد رأيه! نعاني في مجتمعنا من وجود بعض المتلوِّنين، الذين يغيرون الأقنعة حسب الهوى وحسب الموقف وحسب الظروف، لا يثبتون على مبدأ، تتبدل مواقفهم كما يبدلون ملابسهم.

لكنَّ الأشد خُطورة، وأيضا دهشة، أنْ تجد البعض ممن يزعمون تحلِّيهم بصفات القيادة والحكمة والحنكة…إلخ، يؤلفون الكتب وينشرون المقالات التي يستعرضون فيها “صفاتهم القيادية”، وكيف يمكن للمدير أن ينجح مع فريق عمله! يتشدقون بأفواه فارغة بعبارات عن التفاني في العمل، والإخلاص، والاجتهاد، والبذل، والعطاء…وغيرها من الصفات التي لو طبَّقوا نصفها فقط لكانت مؤسساتهم ووحداتهم الإدارية الأنجح في العالم! أيضا هناك آخرون يرددون بعض المصطلحات والمفاهيم مثل ببغاء أدرك فجأة قدرته على ترديد ما يسمعه! فتجده يسمع -وليس يقرأ- عن نظرية جديدة في علوم الإدارة، فيتحدث عنها بملء فيه، دون خشية أو اعتبار، يزعم أنه يطبق تلك النظريات، لكنه أبعد ما يكون عنها.

… إنَّ هؤلاء المدَّعين للقيادة هم أنفسهم -وللأسف الشديد- من يقفون عائقًا أمام غيرهم من الأشخاص الذين يستحقون وعن جدارة كلمة “قيادي” أو يتحلون بصفات “القائد”؛ فتجدهم يخفون فشلهم بين مجموعة من “المطبلين” ونافخي المزمار، وعادة هؤلاء لا يتحلون بالثقة ولا يملكون الأدوات الصحيحة لتطوير أنفسهم، لذلك؛ وخوفا من الخسارة، يتشبَّثون بمن يمكن أن يجاملهم وينافقهم حتى يصعد هو ويكسبون هم، إنهم دائما في حاجة إلى أشخاص يملكون القدرة على المديح الزائف لكي يستروا عورات الفشل الإداري، وبالتالي يعيش الأول في وهم أنه “قيادي” وصاحب قوة ونفوذ، بينما المحيطون به من “المدّاحين” ينتفعون بقربهم منه، فيقدمون له كل شيء على طبق من ذهب.. بينما في واقع الأمر الشخص الذي يستحق الإشادة بفضل ما حققه من نجاح، دائما ما يظل “شفافا” لا يمكن رُؤية ما يقوم به ولا ما يقدمه من أعمال؛ لأنَّ هناك الكثير من الأشخاص ممن يحصلون على الدعم، مهمتهم الأساسية -وربما الوحيدة- تعطيل عمل الشخص الناجح.

إلا أنَّ ما يغيب عن الأذهان أن قرار أي “قيادي” لا يدفع ثمنه بنفسه، وإنما قد يزج بمؤسسته نحو الهاوية، وربما بفريق عمله نحو فقدان وظائفهم، ويتَّسع التأثير كلما اتسع مجال القيادة؛ فكما يمكن أن تكون القيادة طريقا إلى النجاح، فهي بلا شك الطريق الأسهل للفشل.

إننا في مجتمعنا نحتاج إلى مئات من القادة الحقيقيين، بدلا من مئات الدورات التدريبية في فنون القيادة، دون طائل، إننا نحتاج إلى قادة يدركون جيدا كل تحديات القطاع أو المؤسسة أو الجهة أو الوزارة التي ينتمون إليها، حتى إذا ما تولوا قيادتها يسعون أولا لوضع حلول لهذه التحديات، ومن ثمَّ الانطلاق نحو المستقبل بكل ثقة وجدارة.. وقبل كل شيء لابد من وضع قواعد سليمة لاختيار من يجلس على كرسي القيادة، وهو ما تنشده النهضة المتجددة تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- فقد أكد جلالته -أبقاه الله- على أهمية تطبيق معايير تقييم الأداء الوظيفي، الذي من شأنه أن يفرز كفاءات قيادية يمكن الاختيار من بينها لإدارة شؤون الوطن بكل مسؤولية وتفانٍ.

—————-
* إعلامية عمانية.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 2615 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.