الخميس , 28 مارس 2024
غلاف الرواية

دوامة “منّ السَما”

= 2111

بقلم: زياد جيوسي

“منّ السَما” هي الرواية الثانية للكاتبة غصون رحال التي يتاح لي قراءتها بعد روايتها “في البال” قبل عدة سنوات حين صدورها، والتي كتبت عنها مقالة نقدية لم تنشر بسبب خطأ لم أحسب حسابه أضاع المقال، وهذه الرواية شدتني من لحظة تأملي صفحة الغلاف والتي صممها الفنان الشاب رائد قطناني وهي لوحة للفنان فان كوخ تحمل عنوان “سماء مليئة بالنجوم على نهر الرون” وقد رسمها الفنان عام 1888/ 1889م خلال اقامته في ضاحية آرال الباريسية واستغرقت عاما كاملا بأسلوبه المشهور به وتقنيته الخاصة بضربات كبيرة وقوية من الفرشاة، وهذه اللوحة هي لوحة من ثلاثة لوحات رسمها الفنان أثناء ليالي باريس، فكما اللوحة رسمت باللون الداكن للسماء وكانت النجوم فيها مضيئة وكأنها مفرقعات نارية مع انعكاس الفوانيس المضاءة على النهر، وعجوزين بأسفل المشهد يبحثان عن الفرح في هذه العتمة وثلاثة زوارق تنتظر النهار لتبحر، وتفاصيل النجوم والابراج فيها واضحة ومرسومة بشكل دقيق يشير لابداع الفنان الذي لم يحظ بحقه في حياته ومات فقيرا معدما، وقد ورد ايراد اسم اللوحة وصاحبها مع ذكر لوحة “الفردوس” للفنان الامريكي “جيفري بيدريك” في الرواية من خلال وصف جنيف في الزيارة الأولى.

وقبل أن ابدأ القراءة انتبهت أن الاسم أتى من الحلويات العراقية والمشهورة بشمال العراق والمعروفة بالمن والسلوى أو منّ السما، كما لفت نظري الاهداء: “اليهن حيث كنّ، إلى تسع عشرة إمرأة من ظلال”، والرقم 19 لفت نظري بقوة حيث ورد هذا الرقم بالقرآن الكريم في سورة المدثر: “عليها تسعة عشر” اشارة لعدد الملائكة الذين يحرسون جهنم، كما له علاقة باليهودية وعدد الصلوت والسنة العبرية وله مكانة عند البهائيين، ولكن هؤلاء النسوة عند غصون رحال من ظلال، والظل لا يكون إلا لشيء حقيقي وقع عليه النور فأنتج ظلا، هن تسعة عشر امرأة يزيدية احرقهن “الدواعش” وهن على قيد الحياة لرفضهن أن يكن جواري وسبايا عند وحوش التنظيم، فهل اختار اولئك القتلة الرقم قصدا ليشوهوا الدين كما في ممارساتهم الأخرى؟. إضافة لقتل المئات من رجال الطائفة حصدا بالرصاص بمجزرة بشعة تذكرني بمجازر عصابات الصهاينة في فلسطين، واغتصاب الطفلات والنساء اغتصابات جماعية بدون رحمة اضافة لبيعهن وتأجيرهن كما في عصر العبودية.

الكاتبة غصون رحال

وحين بدأت الرواية لفت نظري العبارة التي بدأت بها الكاتبة الرواية في صفحة مستقلة، وهي عبارة تعود لفرانس كافكا يقول فيها: “إنها الحياة مزدوجة حقا، لا أظن أن هناك مخرجا منها سوى الجنون”، واكتملت الحكايات اللافتة للنظر بالعنوان للفصل الأول: “الإصبع الوسطى عالقة على خط التماس. العدو خلفي والمضمار أمامي وهذا الليل طويل”، وحين بدأت القراءة في الفصل الأول شعرت كم كان للوحة الغلاف من تأثير على الرواية وروح الكاتبة، فهذه اللوحة تشير للرواية التي بدأتها الكاتبة في الفصل الأول كما لوحة داكنة حيث تتصارع الأفكار بجنون غريب يثير الرهبة في روح القارئ، وتولد الصدمة أيضا عما ينتظره في جنبات الرواية بعد المخاض الجنوني في فصلها الأول حيث “عهد” المحامية والنشطة بمجال حقوق الانسان والفلسطينية الأصل وحاملة الجواز السوري، بطلة الرواية وراويتها تحيا بعض من الصدمة التي تؤثر عليها وهي العائدة من افغانستان حيث الموت يتسيد الحياة فيها، وحيث استمعت من طبيبها هناك لحكاية الذي فجر نفسه وهو متزين ومتعطر للقاء الحور العين وانفصل رأسه ووصل الى مقدمة سيارة الطبيب، وتبدأ هذه الانعكاسات عليها من لحظة وصولها ومشاركة أصدقائها خلال ساعات من وصولها لعبة “البولينغ” حيث الأصبع الوسطى أساسية في امساك الكرة وقذفها، حتى خلال وجودها في بيتها لمعالجة جرح باصبعها فلا تجد غير الكلور الذي تشير أنه سام وعانى منه كل من أهالي: “حلب ودرعا والقابون ومرج السلطان” في اشارة واضحة للأحداث المؤلمة التي عانت منها سورية خلال ما سمي بثورات الربيع العربي والتي لم تكن أكثر من وبال بعبق النفط العربي، وهنا لا بد من ملاحظة أن أمريكا والغرب وأدواتههم كانوا هم من يوجهون التهم للنظام باستخدام الغازات السامة، وأنا لا أدافع عن النظام بسوريا ولكن أثبتت الأحداث أن موضوع الغازات السامة كان ذريعة بيد الغرب ضد النظام في سوريا، كما ذريعة أسلحة الدمار الشامل لتدمير العراق، وتأكد لاحقا أن بعض التنظيمات هي التي استخدمتها وأن منظمة الخوذات البيضاء زورت الأفلام التي بثها الاعلام الغربي بكثافة، وحين حوصروا التجأوا لدولة الاحتلال ومنها للغرب مما يكشف دورهم.

معاناة عهد كانت خلال صحوها ونومها وحلمها ومشكلتها النفسية والجسدية من خلال تشابهها مع الذكور بسبب خلل هرموني تسبب به والدها دون وعي وهو يحلم بطفل وليس بطفلة، بحيث تعاني من عقدة انها وصلت 34 من العمر ولم تذق قبلة من رجل، وبحيث تتعرض للتحرش من ماريسكا المثلية الجنس، ومن خلال عبارات لغوتة وأفلاطون استخدمتها، ومن خلال كم الأفكار الصادمة التي تجول في رأسها فيصبح كما الزجاجة فوق الخلاط الكهربائي، وخلال سفرها من شقتها في جنيف عبر بيروت متجهة لأربيل في كردستان العراق التي بدأت تنفصل عن محيطها العربي بعد الاحتلال الإمريكي للعراق، فلا توجد كلمة عربية في المطار والمكتوب باللغة الكردية فقط، علما انه قبل الاحتلال الامريكي كانت اللغة الكردية مقرة رسميا كلغة ثانية في العراق وتدرس بالمدارس، وهذا ما لم تشر له الكاتبة في الرواية، وهذه الكوابيس المجنونة لم تفارقها بالفندق في أربيل والتي وصلتها من خلال عملها بمنظمة دولية.

حين قرأت الرواية القراءة الأولى شعرت أني في دوامة كبيرة، وهذا ما جعلني أعيد القراءة مرة ثانية، فالروائية غصون رحال خرجت عن المألوف بفن الرواية، فالرواية المعتادة سرد نثري يروي مجموعة كبرت أو صغرت من أحداث مختلفة تستمد بالغالب من الواقع ليعيد صياغتها خيال الكاتب بأسلوبه الخاص وبصماته، وتعتمد على شخصية رئيسة وشخصيات ثانوية، لكن الروائية أعطت غالبية الشخصيات الثانوية دورا كبير ومساحة كبيرة في السرد الروائي، بحيث تحولت هذه الشخصيات لراوية لمجموعة كبيرة من القصص التي شكلت نسيج البناء الروائي، وتشاركت بمستويات مختلفة مع عهد الشخصية الأساسية والرئيسة بدورها، وأصبحت شخصية عهد الرابط والناظم لهذه القصص المختلفة، مع الاشارة إلى القلة من الشخصيات الثانوية التي كان لها دور عابر في فصول الرواية، لكنه دور مهم في فهمنا للرواية والتحليق فيها، والمكان لم يتم حصره بمكان محدد فكان عالميا وليس عربيا فقط، حيث افريقيا وأفغانستان وكردستان والعراق وسوريا وليبيا مع المرور العابر عن اليمن.

لزيادة الصدمة في أرجاء الرواية تلجأ الكاتبة إلى إستخدام الاسطورة في روايتها، مثل “هيديز” ملك الموت في العالم السفلي والوحش “كراكن” ذو الثلاثة رؤوس الذي يحرس كنوز هيديز و”شمشون” وقردة معبد شنتو الياباني الثلاثة وعشتار وجلجامش وتموز وصندوق باندورا وهرقل وآلهة الأولمب ونرسيس وكيوبيد وإيزيس، وهي ترى أن الوحش يقطن مقر الأمم المتحدة في نيويورك، ومن هنا تكشف المؤلفة عن توجه وفكرة الرواية التي تبحث في بحار الدم في سوريا والعراق، وخاصة بعد سيطرة ما عرف بإسم تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” والإسلام منه براء على مخيم اليرموك ومساحات من العراق وسوريا، وخاضت المعارك التي قتلت مئات الفلسطينين وشردت آلاف أخرى، مما يسلط الضوء على أدوات ترعاها أمريكا دواعش وتنظيمات وقوات أمم متحدة حتى أن حراس مقرات الأمم المتحدة دوما هي شركات أمريكية، ومنظمات الأمم المتحدة كالقردة الثلاثة لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم، كلها لها دور في اضطهاد الإنسان وتدميره تحت ستار أقنعة مختلفة، لكنها كلها أذرعة للوحش في نيويورك، تتابع المجازر التي تثير بها الاشتياق لأمها وشقيقها الأصغر رامي في دمشق، فالحنين يبقى مشتعلا في ظل من يتابع الحرب الوحشية التي لا ترحم أحد، وأيضا تلجأ في روايتها إلى العودة للقص القرآني للتعبير عن واقع الدم الحالي واقتتال الإخوة من خلال الاشارة لقصة سيدنا يوسف وإخوته، كما أنها تلجأ في نهاية كل فصل الى وضع عبارة أو أكثر بخط بارز يلخص الفكرة التي تحدثت عنها أو التي ستتحدث عنها بشذرات، وهو أسلوب متميز ونادرا ما رأيته في الروايات، فعادة قد نجد البعض يلجأون لوضع عبارات مختلفة في الصفحة التي تسبق الرواية لتعطي فكرة مسبقة، وعادة تكون لكتاب أو مشاهير أو فلاسفة أو حكماء، وفي نفس الوقت تستخدم عبارات أو أشعار في بدايات الفصول للرواية.

القضية الفلسطينية ودور الأمم المتحدة فيها لم تغب عن السرد الروائي، فالروائية ربطت الأحداث بروايتها بين البدايات من لحظات العمل على إستلاب فلسطين وصولا إلى سيطرة حماس على قطاع غزة وتعرضها للحصار الكبير الذي دمر حياة الناس فيها، والفصل الحالي الذي بدأ في أفغانستان ليكمل الخطوات بتدمير العراق وسوريا وليبيا واليمن تحت مؤامرة الربيع العربي، ودمار مخيم اليرموك في دمشق وتهويد القدس والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال، هذا الربيع الذي لم يكن إلا وبالا خططت له برأيي كونداليزا رايس تحت ما أسمته الفوضى الخلاقة.

عهد كانت الشخصية الرئيسة في الرواية فهي تروي الأحداث، لكن هناك شخصيات ثانوية في الرواية لها دورها بالمساهمة برواية الرواية بمساحات مختلفة، وهم اما زملاء بالعمل أو من خارج الاطار من الشخصيات التي تلتقيها عهد، فميرال تروي حكايتها مع منظمات الأمم المتحدة وما تراه من دور في خدمة الوحش وفساد المدراء وتلقيهم الرشاوي، وفي نفس الوقت تتحدث عن انتهاكات جنسية مارستها قوات السلام الفرنسية ضد الأطفال في جمهورية افريقيا الوسطى من خلال ما شاهدته هناك خلال مهمة تحقيق هناك، وتروي خلاف سامح “الفلسطيني من غزة” وهاني وانزعاجها من سامح لأنه يضع كل الاتهامات على بلدها مصر، وهنا إشارة من الكاتبة كيف أن الصراعات السياسية تنعكس على الأفراد العرب بجنسياتهم المختلفة رغم انهم زملاء عمل وليلاف الكردية ذات الديانة الكاكائية تروي حكاية الأكراد وتعرضهم لحرب كيماوية بعهد صدام حسين وخاصة حلبجة، وتقاليد الأكراد بالزواج من خلال زواجها وأساليب العيش والحياة، وإضطهادها في بيت زوجها وكيف حاربت هذا الاضطهاد وأكملت دراستها، وهاني الذي يتحدث عن ليبيا والانتهاكات التي فيها من كل الأطراف وصمت مدير البعثة هناك كي لا “يفسد العمل السياسي مع قادة الثورة”، كما مدراء البعثات جميعا الذين ينفذون أجندة سياسية على حساب حقوق الانسان، بينما كارمن تفضح ما يجري بكواليس هذه المنظمات حيث مندوب أمريكا بالأمم المتحدة هو “كبير الآلهة” وأمينها العام “نرسيس” كما تضيف عهد على الكلام، كارمن هذه المرأة التي تكبر هاني بثمانية أعوام وترى أن الشعب المصري انقلب على الانتخابات ولم يعط المرحوم مرسي فرصته وعاد من جديد لحكم العسكر، وهذا ما يزعج هاني منها جدا كما ينزعج من سامح، ومرتدى الذي تتحدث معه عهد عن الصراع الايدلوجي بين الأمم، حيث نرى الكاتبة غصون تظهر ثقافتها الواسعة من خلال استعراض أراء لكتاب وأسماء كتبهم مثل: فرانسيس فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ، صراع الحضارات لصاموئيل هنتنجتون، جان رولز في كتابه قانون الشعوب، ، بينما المدير حبيب بارود المدير في جنيف يهمه سمعة مكتبه وأن لا يقال أن موظفيه العرب غير أكفياء بينما هو غارق بالرشوة والفساد، بينما فيليب وييبر الطبيب النفسي لا يستطيع أن يستوعب مشكلة عهد انها لا تنام ولا تنسى بسهولة ويحتاج لجلسات أخرى لفهم الضغوط النفسية التي تراكمت عليها من افغانستان ومناطق الصراع الأخرى، بينما هاني المصري والمسيحي الديانة يروي قصة حبه التي افشلها خلاف الأديان وعلاقته العاطفية والجسدية مع كارمن، سامح الذي يرى بغزة أمه فيروي حكاية غزة وأمه ووالده وزوجته، غزة الهادئة قبل اوسلو والتي تحولت الى فئتين بعدها، فئة اصحاب المصالح والأعمال وفئة المشايخ التي استولت على غزة والحكم فيها وجعلها خاضعة للحصار من كل الجهات، ومعاناة أبناء غزة العائدين لبلدهم من لحظة الوصول للمنفذ الوحيد “مطار القاهرة” حتى معبر رفح.

خارج اطار الزملاء في العمل تبرز العديد من الشخصيات منها سوار السائق يروي حكاية انسحاب الجيش العراقي الذي شكل بعد الاحتلال الامريكي بالانسحاب المفاجئ من الشمال وترك المجال لداعش للسيطرة وارتكاب المجازر ولتقسيم كردستان الى اقليمين، وآزادي اليزيدية التي تروي حكايتها ومفاهيم دينها برسالة لعهد، ووالد عهد الموالي للنظام الحاكم بينما ابنه معارض وقتل في المظاهرات، ويتحدث عن سوريا وولائه للنظام فيها وعن سلوكيات ابنته عهد قبل أن تغادر سوريا الى جنيف، وذاكرة طفولته في فلسطين قبل النكبة وبعدها حتى رحيله لدمشق والتحاقه شبلا، ووالد عهد كان عمره حين نكبة فلسطين 8 سنوات وارتحل الى دمشق وعمره 14 عام أي عام 1954 وكانت أمه تقول تريد ان تراه “فدائي” وهو مصطلح لم يستخدم وينتشر الا بعد الثورة الفلسطينية بعد هزيمة حزيران 1967، ونراه التحق شبلا بالجبهة الشعبية.. فكيف ذلك؟ الجبهة الشعبية تأسست في آب 1968م من ثلاثة تنظيمات هي جبهة التحرير الفلسطينية والتي أسسها أحمد جبريل ونفذت اول عملية ضد الاحتلال عام 1966م والتي اصبحت الجبهة الشعبية/ القيادة العامة بعد انشقاق الجبهة الشعبية، وأبطال العودة وهم الجناح الاستطلاعي لجيش التحرير الفلسطيني في سوريا، ومنظمة شباب الثأر الجناح العسكري لحركة القوميين العرب والتي أصبح اسمها الجبهة الشعبية بعد انشقاق الجبهة عام 1969م، ومعسكرات التدريب للفدائيين والأشبال كانت بعد نكسة حزيران، وقبلها كان التدريب بحدود سرية تحت اشراف النظام لتنظيمات محدودة في معسكرات جيش التحرير الفلسطيني بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية من خلال حركة فتح في 1/1/1965م، وكل ذلك بعد تأسيس م.ت.ف عام 1964م وجيش التحرير، والأم نادرة والدة عهد والتي لجأت وأهلها إلى مخيم اليرموك بعد النكبة كان لها دورها بالرواية وذاكرة الطفولة والمخيم والفقر والجهل، وهي التي عزلت نفسها تماما عن العالم الخارجي وزوجها قرفا مما يجري وخاصة بعد مقتل ابنها الوحيد “رامي” بالتظاهرات ضد النظام، مما ترك عند عهد شعور أن أمها غاضبة منها ومقاطعة لها، وحكاية أختها فائزة التي ربتها بعد وفاة أمها.

هناك بعض المسائل لا بد من الإشارة إليها مثل أن فكرة الوطن كبقعة من الأرض يجري الدفاع عنها بالأرواح هي فكرة غربية حديثة بعد رسم الحدود كما تقول الكاتبة في ص 191، وأراها فكرة متأصلة منذ ما قبل التاريخ منذ عرف الانسان الاستقرار، وإن كان الترحال والسفر لا يحتاج جواز سفر، وبلدة عين كاوة في شمال العراق هي بلدة يسكنها الكلدان بالغالبية ولهم لغة خاصة وليس الآثوريين كما ورد في سياق الرواية، وهناك مسائل أخرى تلفت النظر في الرواية، فما الضرورة للحديث عن انتفاخ القولون وأن لا حل للتخلص منها الا بـ”الضراط” ص 61، بينما استخدام تعبير الأصبع الأوسط يمكن تمريره من خلال طابة البولينغ بدون تفسير آخر رغم تكرره، بحيث شعرت ان عهد بتمردها هي من تلوح بالإصبع الأوسط لكل أجهزة الأمم المتحدة والأنظمة الحاكمة، رغم اشارة هاني لقطع اصابع سيف الدين القذافي لأنه لوح بالإصبع الأوسط للمتظاهرين، فعهد تخالف التعليمات من أجل مساعدة الضحايا وترفع أصبعها الوسطى في وجه الكهل الداعشي على اقواله باغتصاب “دارين” اليزيدية ونساء أخريات، وفي ص 38/39 ورد أنها تحمل الجنسية السورية وحسب حضور والدها الى دمشق فالمفترض أنه كان يحمل الجنسية الأردنية، والفلسطينيون المهاجرون الى سوريا يحملون وثائق سفر سورية خاصة بالفلسطينيين، واتذكر ان هناك لاجئ سياسي من أصل فلسطيني لجأ الى سورية بنفس الفترة ولم يتم تجديد جوازه الأردني، وكان اولاده يحملون وثائق السفر الفلسطينية وليست جوازات سفر سورية، وأيضا ركزت الحديث على تنظيم “داعش” بوحشيته، لكن فعليا كل التنظيمات الأخرى كانت “دواعش” بأشكال مختلفة واضح انها أسست وسلحت ومولت سرا من أطراف مختلفة قبل أحداث درعا، فكانت التظاهرات التي بدأت سلميا هي الذريعة وليس السبب لتفجر الأحداث وتدمير سوريا.

“دوامة” هائلة في بحار من جنون وحروب بنهاية مفتوحة تاركة المجال للقارئ أن يتخيل القادم، شعرت بها بين جنبات الرواية حملتني اليها الروائية غصون رحال بقوة، فلعبة الأمم لم تنتهي بعد، عشت خلالها القسوة والألم النفسي، والذاكرة للعراق وسوريا التي عشت بهما ردحا من الزمن، ولمقهى المفكرين “هافانا” وهو بمساحة أكبر بكثير مما اشارت له الرواية، لكن ورغم كل الملاحظات يبقى جهد الروائية ليس بالسهل، ولعل دراستها للقانون وعملها بالمحاماة وحصولها على دبلوم في علم الاجرام والماجستير في علم التنمية عوامل لعبت دورها في كتابة هذه الرواية، بجانب الاحساس العالي والمشاعر المتفجرة من حرق النساء اليزيديات، فكانت الرواية فعلا كما ورد على غلافها: “رواية الحب والحرب والموت والجنون في زمننا هذا”.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: سندوتش المدرسة.. صدقة وزكاة

عدد المشاهدات = 6192 لا ينكر إلا جاحد ان الشعب المصرى شعب أصيل، شعب جدع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.