الخميس , 25 أبريل 2024

إلى فنانى العالم: أنتم تنقذون حياة البشر!

= 2271

بقلم: نهى هنو

كنت دوما اتساءل ماذا لو كان هذا العالم بدون فن ،يشرد ذهنى فى محاولة منه لتخيل الأمر لكنى لم استطع ان اكمل تأملاتى شعرت ان العالم كان سيتحول الى مقبرة كبيرة ولازدادت فيه معدلات الجنون او الانتحار كل لحظة و لأصبح العالم مكان لا يطاق ان لم يكن هناك فن.

كيف للإنسان ان يحيا دون النظر إلى لوحة جميلة ،يكتشف معها نفسه من جديد أو دون الإستمتع إلى لحن موسيقى رائع يخترق روحه و يهز كيانه ،او رقصة بالية تجعل جسده يتمايل معها ،أو دون مشاهدة فيلم سينمائي يذهب فيه عقله بعيدا حتى و إن كان لفترة قصيرة من الزمن يشعر أنه وجد فيه شئ ما لمس حالته العاطفية أو صراعاته العقلية أو تجارب حياتية صعبة مر بها ، من خلال مشهد يحاكى حياته الشخصية أو سرا يخفيه عن الجميع ، كيف للإنسان ان يحيا دون قراءة رواية تمتعه او ديوان شعر يهديه إلى حبيبته ،دون كتابة أى شئ يعبر عن ما يشعر به أو دون رسم لوحه خلابة يتهافت الجماهير لرؤيتها وشرائها أو تأليف مقطوعة موسيقية تهذب روحه.

الفن هو جزء من تكوين الروح الإنسانية و لأن الله جميل يحب الجمال فكان هو الخالق الأول له ، يكفيك النظر إلى السماء أو البحار أو الجبال أو طائر بديع الألوان ، أو تامل أى من مخلوقاته كى يتقين قلبك من سر عظمته و روعة فنه ،الله هو الفنان الأول و الاخير فى هذا العالم و ما يمنحه من مواهب للبشر ما هى إلا نفحة من فنه اللامتناهى.

إن الفنانين يقومون بما لم يقوم به أحد غيرهم و هو ترميم أرواح الناس الذين يذهبون إاليهم جرحى و ممزقين حتى تهدأ نفوسهم من جديد ،انها مهمة ليست سهلة أبدا و لن يمنح الله تلك المسؤلية لكل الناس ربما لأنه يعلم انها شاقة و لا يقدر عليها الا قلة قليلة تداوى نفسها أولا ثم تداوى العالم من بعدها .
إن الفن هو الحياة و هو التنفس ،نحن ننقذ البشرية من القبح و اتعجب كثير ممن يصفون الفن انه حرام انهم لا يعلمون معنى الجمال و لا يصلون لوجود الله الحقيقى فقد عمت قلوبهم عن معنى الحياة و الروح البشرية بحق.

نحن جميعا نفنى و نموت دون فن ،نغرق فى عالمنا البائس الملئ بالصراعات و المؤمرات و المشكلات و حب المال و شهوة السلطة و النفوذ و هوس السيطرة على العالم ،نحن ندور كل يوم فى فلك الحياة و ملاذتها اللانهائية .إن الفن ينقذك من تلك الدائرة المُفرغة يجعل عقلك يتوقف به الزمن لوقت معين تسمو فيه روحك لأعلى مرتبة و تشعر بالبهجة و الأمل التى تمحى كل حزن.

الفن هو علاج لكل أمراض النفس ،فأنت عندما تسمتع إلى الموسيقى سيتحفز عقلك تلقائيا إستجابة لتلك الترددات و على الفور سيتغير مزاجكك و هو مثبت علميا بتأثر مناطق معينة فى المخ عند الإستماع إلى الموسيقى ،الفن يمكنه علاج الاكتئاب و القلق و يمكنه ايضا علاج الوحدة و صراعتك الداخلية كل يوم .
الفن هو الملاذ الاّمن من وحشة و غربة هذا العالم و مهدئ للروح و عواصفها المجنونة ،إنسان بلا فن هو إنسان ميت على قيد الحياة.

لا يمكنك ان تخرج ما فى جعبتك من إبداع إلا إذا كنت حرا و الفن هو الحرية و التمرد لذا يصف البشر العاديين المُبدعين احيانا بالجنون أو ربما ان البعض بما فيهم الفنانين انفسهم لا يتصورا ما الذى يدور حقا داخل عقولهم و ارواحهم حتى يصلوا إلى تلك اللحظة و بلوغ ذروة نشوتها ليولد لحنا أو ديوان أو قصة أو لوحة جميلة او اى شئ يعبرون من خلاله عن انفسهم بحق و بحرية ،لا أحد يعلم كم يعانى الفنان حتى يعبر كل هذا و يخرج للعالم بمولوده الجديد.

عاش الكثير من العظماء و المبدعين فى مأساة حقيقية مؤلمة و موجعة جعلت منهم اشخاص غيروا العالم ،تحكى زوجة الأديب نجيب محفوظ عن حالته فى كل مرة كان يقترب فيها على كتابة شئ جديدا كانت تصف لحظاته الاخيرة قبل إنطلاق الابداع بالغرابة الشديدة و التوتر و الانفعال و الانعزال قائلة انها كانت تتركه يدخل الى كهفه، لأنها علمت انه على وشك قرابة كتابة رواية جديدة تماما كعملية المخاض و ما ان اخرج ما فى رأسه الا و عاد الى هدوئه مرة اخرى ،سمة شئ ما مُعقد خلقه الله فى انفس هؤلاء البشر لا يشعر به سواهم بل انهم ايضا احيانا يعجزون عن تحمله ،انه فائض من الابداع ، اثبتت دراسات علمية ان الله خلق عقل الموسيقين و الكُتاب بشكل مختلف و اكثر تعقيدا عن الطبيعى حتى و انه يتضح عند رؤيته و تشريحه ان هناك اختلاف كامن عن المخ البشرى الطبيعى.

فإلى كل فنانى العالم شكرا لأنكم تنقذون حياة البشر.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 2630 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.