الجمعة , 29 مارس 2024

د. منى حسين تكتب عن: ثقافة الصمت

= 2514

يعانى البعض منا من صراخ وارتفاع صوت الغاضب والمنفعل ، وهذا رد فعله ، إن زاد عن حده أصبح الحوار شجاراً ، وهناك البعض الذى يصمت لأنه يرى أن الصراخ لن يفيد ، فقط سيعطى للآخر فرصة للتدخل فى موضوعات شديدة الخصوصية.

لكن الصمت هنا ليس رضا ، أحياناً يكون غضبا ، وأحياناً يكون ثورةً ، فردُّ فعل كل منا مختلف ، الصمت ليس ضعفاً ، أحياناً يكون قمة القوة ، أن تصمت إذاً أنت تكظم غيظك ، لكن لا تأمن لهؤلاء الأشخاص لأن لديهم أجندة ، يدونون بها ما يحدث ، إن تم إصلاح ما فات ربما يمحون منها بعض الأخطاء ، وإن لم يتم معالجة الموقف تلو الآخر ، فستمتلىء كل صفحات الأجندة..

وعندها ربما يغلقوها ، ويغلقوا معها علاقات ودّوا لو اكتملت ، وتمنوا لو دامت مدى الحياة ، لكن هؤلاء الأشخاص هم الأرقى فى التعامل ، حتى إن وجهوا لك اللوم ، فإن كل شىء سيكون مرصودا بمواقف وأدلة ، هم أدركوها بالفعل ، فلا تغضب ، هؤلاء حوارهم عتاب ، وأدلتهم فضفضة ، اسمعهم حتى ينتهوا ، طالما أنهم خرجوا عن صمتهم ، لأن الصمت رقى واحترام ، من يدرى ماذا كانوا سيقولون فى لحظة إنفعال؟ ، إنهم آثروا الصمت ، والحوار وقت الغضب ، حافظوا على العلاقات بينكم .

حتى إن اختلفتم ، وزاد خلافكم ، سيكون كلامهم قرارات وإنذارات ، ربما نهج يُتَّبَعُ حين الغضب ، ربما لفت نظركم لشىء بسيط لكنه يغضبهم ، لكن إن لم تلتزموا بالعهد والاتفاق الذى أعلنوه ، سيغلق الآخر ملف علاقتكم دون حوار ، ويكون صمته رقياً واحتراماً.

فاحرصوا على هؤلاء لأن بداخلهم قيم راقية ، تبدأ العلاقات بود واحترام ، وتعطى الكثير من الفرص ، وتنبه وتنذر برقى ، وإن لم تنجح فى تعديل ما بكم من سمات تؤلمها ، ستصبر لفترة ، وتتجاوز عنها ، لكنها لا تنسى ، وحين يمتلىء الملف ، ستغلقه ولن تتحاور ثانية فيه ، ويكون الصمت هنا إنهاء علاقة بحلوها ومرها .

نحن جميعا بشر والبشر خطّاء ، المهم أن يدرك أنه أخطأ ، وأنه آلم الآخر ، ويعتذر فالاعتذار ليس ضعفاً بل هو منتهى القوة ، ويحافظ على العلاقات ويرضى الغاضب ، ويخفف من ثورته ، وستراجعه نفسه ليغفر ويسامح .

احرصوا على إزالة آثار اخطائكم فى نفوس راقية لا تهين ولا تهمل ، فعلاقاتنا بالآخرين هى حب واهتمام ، حتى إن اختلفت صورتها ، فنحن نحب من حولنا فى البيت وفى العمل وفى السكن ، جميعنا نحب ، لكننا أيضاً نغضب ، ونرى اختلاف الآخر معنا ، إن كان على حق اتبعناه ، وإن لم يكن على حق هجرناه ، لكن دون قطيعة ، هكذا تكون العلاقات السوية ، تتأرجح بين رضا وغضب ، بين حب ولا حب..

حافظوا على من حولكم ، واسعدوا بهم ، فهم رزق ، الصداقة رزق ، حب الناس رزق ، فلا تتكبروا على أرزاقكم ، فتحرموا منها ، جميعنا يحتاج لوجود أشخاص حولهم ، يحبونهم ويدعمونهم ، ويقدرونهم ، أبناء اليوم هم أصدقاء الغد ، وأصدقاء اليوم هم سندنا وقت أن ينفض الجميع من حولنا إلى عوالمهم الخاصة ، التى ندّعى أنها دوامة الحياة ،

فنحن ندخل الدوامة بأنفسنا ، بأسباب مختلفة ، وربما هرباً من الوحدة ، ربما بعد أن نفد صبرنا على علاقات آلمتنا ، ربما بعد انتهاء مهام إنسانية داخل أسرنا ، المهم أننا قمنا بواجبنا تجاه الآخرين ، الآن نعيش فقط لأنفسنا ، لكن بجانب من يحبنا ويحترمنا ويحتوينا ، ربما تكون هدية السماء لنا ، بعد رحلة حياة أعطينا فيها بسخاء ، اليوم يومنا بعد صمت دام عقوداً ، نعلنها أن الحياة أحياناً تبدأ بعد الخمسين.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: سندوتش المدرسة.. صدقة وزكاة

عدد المشاهدات = 6831 لا ينكر إلا جاحد ان الشعب المصرى شعب أصيل، شعب جدع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.