الجمعة , 29 مارس 2024

في بحر “الأون لاين”.. إني أغرق أغرق أغرق!

= 5856

 

بقلم: د. علا المفتي *

في محاضرتي النصف شهرية تنفيذا للخطة التعليمية الهجينية الاحترازية لمواجهة النكبة الكورونية الحالية وقفت أسألها: جاوبي يا بنتي
الطالبة: مش عارفة
أنا: ليه يا ابنتي الكلام ده اتشرح في الفيديو اللي ع المنصة
الطالبة: ماشوفتش فيديو المحاضرة!
أنا بغضب: ليه؟
الطالبة: الباقة خلصت يا دكتورة ومش معايا عشان اجددها

لم أجبها ولسان حالي يقول: الحال من بعضه المرتب راح على شحن الباقات لتحميل فيديوهات المحاضرات على المنصة .. ربنا يكون في عوننا جميعا.

لقد كانت الكورونا الملعونة حجة قوية ليغرقنا صانعو القرار في أعماق بحار التعليم عن بُعد، ليصبح كل شيء فجأة افتراضيا من خلف الشاشات، فالمحاضرات أون لاين، والتصحيح إلكتروني والكتاب سي دي، بحجة الحماية من هذا الفيروس اللعين، تمهيدا لأن نعتمده في التعليم بشكل كامل بعد انتهاء الأزمة، وهذا استنتاج شخصي ناتج من تلميحات بعض المسئولين، وبعض استطلاعات الرأي التي وجهت إلى بعض قطاعات أعضاء هيئة التدريس، التي هدفت إلى معرفة آرائهم في اعتماد هذا النظام فقط للتدريس فيما بعد.

إن التعليم عن بُعد اختراع رائع بحق، فهو يحل مشكلات عدة لأنه يختصر المسافات والزمن، ويستطيع الدارس من أي مكان في العالم متابعة دراسته في المؤسسة التعليمية التي ينتمي إليها، دون الحاجة للسفر ودون بذل أية مشقة في إجراءاته، كذلك في حالات الأوبئة والكوارث وخلافه، فهو حل منجز وبديع، فقط في مثل هذه الحالات هو فعلا حل صائب وناجح، ولكن لا يمكن الاعتماد عليه كليا في الظروف العادية لأسباب كثيرة، منها أن العملية التعليمية عملية اتصال مجتمعى قائمة على التفاعل الإنساني المباشر، والتواجد الجسدي بين أفرادها، فهي خليط من العلم والمشاعر والانفعالات والعلاقات الاجتماعية، ولا يتحقق ذلك بشكل كامل من وراء الشاشات، مهما كان الواقع الافتراضي مشابها للواقع الحقيقي، ناهيك عن أن بعض العلوم كي تدرس يجب ممارسة مهاراتها بشكل عملي حقيقي وليس افتراضي.

حقا أنا لست ضد التطوير ومواكبة التكنولوجيا في مجال التعليم، فهي بصدق فعالة ومؤثرة وتتيح مصادر هائلة للتعلم وتيسره بشكل كبير، لما لها من إمكانات هائلة، ولكن أنا ضد الزج بنا في بحورها العميقة دونما تخطيط سليم وإعداد جيد، فكلنا يعلم ضعف البنية التحتية الإلكترونية التي نعاني منها، وارتفاع أسعار الأجهزة الالكترونية وخدمة الاشتراك في شبكة الأنترنت، مما جعل الطلاب وأولياء الأمور وهيئة التدريس أيضا يعانون بل يتعذبون كي تنجح العملية التعليمية.

لقد قُذف بنا فجأة في أعماق بحر الأون لاين ونحن لا نتقن السباحة، بل وبخل علينا أيضا بطوق النجاة. فإلى السادة الأفاضل أصحاب قرار التعليم عن بُعد، لو عاوزين الجارية تطبخ يبقى السيد لازم يكلف، واوعوا تقولوا لي الشاطرة تغزل برجل حمار، لأن الشاطرة باعت الحمار وجددت بتمنه الباقة والباقة خلصت والشاطرة فلست، وأخيرا لنا الله.

—————
* مدرس أدب وثقافة الطفل
بقسم تربية الطفل – كلية البنات جامعة عين شمس.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: سندوتش المدرسة.. صدقة وزكاة

عدد المشاهدات = 6774 لا ينكر إلا جاحد ان الشعب المصرى شعب أصيل، شعب جدع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.