الخميس , 25 أبريل 2024

وفاء أنور تكتب: إلا فاروق جويدة..!

= 11403

تقول الحكمة الشهيرة بأن الطبع يغلب التطبع، حاول أبي جاهدًا أن يتخلى عن تعسفه في بعض القرارات، يتنازل بصعوبة عن بعض طباعه وأرائه المتشددة كرجل ينحدر من أصول صعيدية من الجهتين الأب والأم، ولكن هيهات فالطبع كان دائمًا مايغلب التطبع، كانت نبرة صوته تهزني كما تهز الرياح أغصان الشجر في فصل الخريف لتلقي بأوراقها على الأرض، كان أبي يعلم جيدًا مقدار إعجابي بالفنان ” عبد الحليم حافظ “، لعل أغلب الفتيات يذكرن هذه الأيام التي أتحدث عنها الآن، وإن كان لم يزل هذا الشعور أحد أهم أسراري أمام محكمة أبي، وإن كنت أذكره على استحياء إلا أنني لن أنكره فما أكثر ما أنكرته خوفًا في الماضي.

أيقظتني تلك الذكريات الآن من نومي لأجد نفسي قد انفجرت بالكتابة عن هذا الموقف وتلك الذكرى التي امتلكتني كأنني أغترف من مدادها وأسرد كلماتي لأنقل لكم موقفًا تختلط فيه الأحكام، موقف جمع كل المتناقضات، وصدر الحكم فيه على بحرماني من أغلب ما كنت أفضله في صغري.

بعد مقاومة كبيرة للعادات والتقاليد التي تمسك بها أبي قرر أن يشتري لي لوحة كبيرة طبعت عليها صورة العندليب الأسمر ” الفنان عبد الحليم حافظ ” كهدية منه في مناسبة عيد ميلادي ، ومعها بعض دوواين الشاعر الكبير ” فاروق جويدة ” الذي كانت قصائده الغراء تمثل حبات لؤلؤ انتقاها بنفسه ليصنع منها قلادات مسحورة تمنيت اقتنائها من قبل لأتزين بها كما تزينت بها كثيرات من قبلي.

حينها لم أكن أريد أكثر من هذه الهدية التي جاءت على غير توقع مني، أسرعت بتعليق اللوحة وأنا أتأملها بدقة وأردد بيني وبين نفسي حديثًا يتبناه قلبي وينكره عقلي، وعندما تناولت أحد دواوين الشاعر الرقيق فاروق جويدة لأقرأ وجدت نفسي قد سبحت في بحورها وتغيبت فيها عن واقعي ، نصبت خيمتي بين تلك الأبيات التي حفرت في ذاكرتي.

وفي عصر يوم من أيام فصل الصيف الحارة التي تزيد مع حرارتها معدلات الانفعال عند أبي كنت قد اختلفت معه في رأي تبنيته وفجأة بدا الغضب على وجهه ونبئني بأن الرياح ستهب عاتية لتدمر معها أشياء كثيرة أحببتها، ولكنني للحق لم أكن أعلم متى ستهب ، ومن أي اتجاه سوف تأتي.

بدأت ثورته التي سبقها انفعال شديد جعله يتوجه إلى غرفتي لينزع صورة الفنان ” عبد الحليم حافظ ” ويمزقها، جاءت هذه الخطوة كثورة تصحيح لمرونة عابرة مرت به لم يغفرها لنفسه ، تمكن أبي من تحطيم حلمي الكبير بأنه قد تغير وحتى أصبح صديقًا لي، وجاءت اللحظة الحاسمة التي دخلت فيها معه حربًا ضروسًا رغمًا عني.

تغاضيت عن تمزيق صورة الفنان ” عبد الحليم حافظ ” بعد أن أقنعت نفسي بأنها مجرد صورة يمكنني العثور على مثيلاتها من المجلات أو الجرائد.

توجه أبي ليبحث بين كتبي الموضوعة على رف فوق سريري عن دوواين الشاعر الكبير ” فاروق جويدة ” وأخيرًا وجدها وأمسك بها وهو يقسم بأنه سوف يمزقها هى الأخرى، وجاءت لحظة حرب غير متكافئة بيني وبينه، لحظة رأيت فيها نفسي كحبة رمل تواجه إعصارّا وأنا أحاول انتزاعها من يده ، تمكنت بالفعل من انتزاعها حينها وأنا أردد تلك الجملة بلا توقف: ” حرام عليك يابابا بلاش تقطع دول كمان “.

أكررها عليه ودموعي تنهمر كالمطر ، فإذا بها تشفع لي عنده بعد أن اكتشف مدى ضعفي ، ونجحت بالفعل في جعله يعدل عن تمزيقها مما اضطره لأخذ قراره الاستثنائي بتركها لي ، ألقاها في وجهي مدفوعة بانفعاله لأتلقاها على الفور واحتضنها بفرحة غامرة لم ولن أنساها إلى اليوم كانت فرحتي تشبه فرح أم عاد إليها وليدها ، بعد أن كادت في عودته أن تفقد الأمل.

شاهد أيضاً

د. عائشة الجناحي تكتب: لو كان خيراً

عدد المشاهدات = 2764 ألطاف رب العالمين تجري ونحن لا ندري، فكل شر يقع بنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.