السبت , 19 يوليو 2025

“نولد بشجاعة”: حملة تعيد رسم صورة كازاخستان أمام العالم

= 471
بقلم الدكتور: محمد سعد
في زمن تتسارع فيه التحولات الجيوسياسية، وتتبدل فيه معايير القوة والنجاح، برزت كازاخستان كلاعب جديد يصوغ موقعه في قلب المشهد العالمي برؤية متجددة وشجاعة. هذه الدولة الشابة، الممتدة على مفترق الطرق بين الشرق والغرب، لم تعد تكتفي بدورها كمصدر للموارد أو كهمزة وصل جغرافية، بل بدأت تخطو بثبات نحو دور أكثر عمقًا وتأثيرًا على الأصعدة الاقتصادية، السياسية، والثقافية. ومن قلب هذا التوجه، ولدت حملة إعلامية دولية تحمل شعارًا فريدًا ومعبّرًا: “نولد بشجاعة” (Born Bold).
ليست “نولد بشجاعة” مجرد حملة إعلامية، بل مرآة لهوية جديدة تشق طريقها في عالم متغير. إنها ترجمة لرؤية كازاخستان المتجددة: دولة تنظر إلى الأمام بثقة، وتؤمن بقدرات شعبها، وتسعى إلى صناعة مستقبلها بجرأة وعقلانية. إنها قصة أمة تنبعث من قلب السهوب الآسيوية، لتقول للعالم: نحن هنا، وسنكون جزءًا من صناعة الغد.
إنها أكثر من مجرد عبارة، بل عنوان لتحوّل فكري واستراتيجي يعكس طموحات أمة بأكملها تسعى لتثبيت مكانتها بين الدول الرائدة، عبر قوة شبابها، ثرواتها، ودبلوماسيتها المتزنة. فما الذي تعنيه هذه الحملة؟ وما خلفيتها؟ وأين تتجه كازاخستان في المستقبل القريب؟
بشعار ينبض بالثقة والاعتزاز، أطلقت كازاخستان حملتها العالمية “نولد بشجاعة” في خطوة تعكس تحوّلًا استراتيجيًا في طريقة تقديم الدولة لنفسها. لم تعد الرسائل تنحصر في الترويج للموارد أو المواقع الجغرافية، بل أصبحت متمحورة حول الإنسان الكازاخي نفسه — الإنسان الذي يمثل روح الوطن، وجوهر تحوّله.
الشباب المتعلم، المرتبط بالعالم الرقمي، الممتلئ بالطموح والانفتاح، أصبح هو واجهة كازاخستان الجديدة، ورسالتها إلى العالم مفادها: لدينا الشجاعة لنحلم، ونملك الإرادة لتحقيق ما نصبو إليه.
قوة الرؤية من القيادة
تأتي هذه المبادرة انعكاسًا مباشرًا لرؤية الرئيس قاسم جومارت توكاييف، الذي يضع الإنسان الكازاخي في قلب معادلة التغيير. لقد شدد مرارًا على أن الجرأة ليست خيارًا بل طبعٌ متجذرٌ في الشخصية الكازاخية منذ عصور الرحّل. من هذا الإرث، تستمد الدولة قناعتها بأن التقدم يتطلب جرأة على التغيير، وتحديًا للمألوف، وانفتاحًا على العالم دون التفريط في الجذور.
اقتصاد يتهيأ للقفز نحو المستقبل
رغم أن كازاخستان لا تزال تحتفظ بموقعها كأكبر اقتصاد في آسيا الوسطى، إلا أن تركيزها تحول إلى بناء نموذج جديد يقوم على الابتكار، التكنولوجيا، والاستدامة. تُظهر الأرقام أن الدولة تسير نحو مضاعفة ناتجها المحلي إلى 450 مليار دولار خلال أقل من خمس سنوات. وتكمن عناصر النمو في قطاعات متعددة مثل الذكاء الاصطناعي، الاقتصاد الأخضر، والرقمنة — وهي قطاعات تراهن الدولة عليها لتقود مسيرتها في المستقبل.
تحول بيئي واقتصاد أخضر
كازاخستان اليوم ليست فقط دولة نفط وغاز، بل مرشحة قوية لتكون من رواد الاقتصاد الأخضر في أوراسيا. موقعها الجغرافي ومساحتها الواسعة يمنحانها أفضلية في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. إلى جانب ذلك، تمتلك الدولة أكبر احتياطي لليورانيوم في العالم، مما يؤهلها لتكون فاعلًا مهمًا في إنتاج الطاقة النظيفة والمسؤولة بيئيًا.
وقد جاءت مشاركتها في مؤتمر المناخ COP28 لتؤكد التزامها بخفض الانبعاثات، وتحقيق الحياد الكربوني، مع تأسيس مؤسسات إقليمية معنية بالمناخ والطاقة الخضراء.
ممرات جديدة للربط العالمي
بفضل موقعها الاستراتيجي بين أوروبا وآسيا، تطور كازاخستان شبكة متقدمة من الممرات اللوجستية والطرق التجارية، أبرزها “الممر الأوسط” العابر لبحر قزوين، الذي يشهد تسارعًا في حركة الشحن بين الصين وأوروبا.
ومن خلال تطوير الموانئ والمناطق الحرة، تعمل كازاخستان على تعزيز مكانتها كمركز عالمي للتجارة العابرة، ليس فقط كبلد مرور، بل كفاعل اقتصادي نشط في سلاسل القيمة المضافة.
مناخ استثماري تنافسي وجاذب
من خلال تأسيس مراكز مالية عالمية مثل AIFC، الذي يتميز بقوانين تجارية مستلهمة من النظام البريطاني، تسعى كازاخستان لطمأنة المستثمرين وجذبهم نحو بيئة أعمال مرنة وشفافة. وفي ظل خطة طموحة لاستقطاب 150 مليار دولار إضافية من الاستثمارات المباشرة، تستعد البلاد لمرحلة من التوسع الصناعي والتكنولوجي النوعي.
الأمن المائي والغذائي أولوية إقليمية
مع تنامي التحديات البيئية في منطقة آسيا الوسطى، تأخذ كازاخستان على عاتقها لعب دور ريادي في قضايا الأمن المائي والغذائي. ومن خلال تنظيم قمة دولية بالشراكة مع فرنسا حول المياه، وإطلاق مبادرات لتحديث القطاع الزراعي، تسعى كازاخستان لتعزيز قدراتها التصديرية في الحبوب والمنتجات الغذائية، وضمان أمنها الغذائي في ظل التغير المناخي.
الرقمنة في قلب مشروع الدولة الجديد
تسعى كازاخستان لأن تتحول إلى مركز إقليمي للابتكار الرقمي، وتخطط لخلق عشرات الآلاف من الوظائف في هذا القطاع بحلول نهاية العقد. البنية الرقمية تتطور بسرعة، مع دعم تشريعي واضح لتقنيات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المالية، مما يفتح المجال للشركات الناشئة، وللشراكات الدولية في مجالات البحث والتطوير.
دبلوماسية براغماتية وحضور دولي متنامٍ
السياسة الخارجية الكازاخية تتسم بالمرونة والتوازن، وقد جعلت من البلاد طرفًا مؤثرًا في العديد من الملفات الحساسة، من النزاعات في القوقاز، إلى المحادثات حول الملف النووي الإيراني، والأزمة السورية. رئاستها لست منظمات دولية في عام واحد تعكس الاعتراف الدولي المتزايد بدورها المستقر والمتزن.
هوية ثقافية جامعة ونموذج في التعددية
تمثل كازاخستان نموذجًا فريدًا في تحقيق التوازن بين الهوية الوطنية والتنوع الثقافي، حيث يتعايش على أرضها أكثر من 130 مجموعة إثنية في بيئة يسودها الاحترام المتبادل والمواطنة الجامعة. وتُعد هذه التعددية من روافد القوة الناعمة للبلاد في علاقاتها مع العالم.
إصلاحات سياسية عميقة وعهد دستوري جديد
شهدت البلاد في السنوات الأخيرة تحوّلًا ديمقراطيًا واضحًا، مع إصلاحات دستورية جوهرية، أبرزها تأسيس المحكمة الدستورية، وتوسيع صلاحيات البرلمان، وزيادة مساحة الحريات المدنية. هذه الإصلاحات ترافقت مع تعاون وثيق مع الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، في مسعى لترسيخ دولة القانون.
الرياضة والثقافة: أذرع دبلوماسية ناعمة
لا تنفصل السياسة عن الثقافة والرياضة في رؤية كازاخستان. فقد نجحت في استضافة أحداث دولية كبرى، وتسعى إلى أن تصبح وجهة رائدة للسياحة الرياضية والثقافية، من خلال بناء مرافق متطورة، وتنظيم فعاليات تُعرّف العالم بروح الشعب الكازاخي وتاريخه العريق.

شاهد أيضاً

عطلة صيفية مميزة في فندق ريكسوس مارينا أبوظبي

عدد المشاهدات = 126 30% خصم على الحجوزات لجميع مقيمي الإمارات حتى نهاية سبتمبر أبوظبي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.