الحياة ليست سوى مسرح كبير، تتعدد عليه المشاهد، وتتشابك فيه الأدوار، ويمضي الناس في صخب العرض يؤدون أدوارًا قد لا تمتّ لهم بصلة. بعضهم يتقمص دورًا زائفًا فقط ليحظى بالقبول، أو ليجد له مكانًا بين الحشود، أو ببساطة… ليعيش.
في زحام هذه الأدوار، يولد الإنسان بدور حقيقي، خُلِق لأجله، وضع في فطرته، ونُفخ فيه من روحه، لكن الواقع لا يمنح دائمًا المساحة لهذا الدور أن يُؤدى. تبدأ الضغوط، ترتفع أصوات التوقعات، وتفرض الحياة شروطها القاسية، فيضطر كثيرون إلى خيانة أدوارهم الحقيقية، ويلبسون أقنعة لا تشبههم، فقط لأن القناع صار وسيلة النجاة، وصار “التمثيل” هو الوسيلة الوحيدة للحفاظ على البقاء.
وهنا تبدأ المأساة…
تختفي الأدوار الأصيلة، ويُتهم صاحب الدور الحقيقي بأنه غريب، متمرد، أو يسعى لتغيير ما يجب أن يبقى كما هو. يُقصى، يُستهزأ به، وقد يُعاقب فقط لأنه صادق. ومع مرور الوقت، يبهت صوته، وينحسر نوره، حتى ينطفئ تمامًا، ويصعد على المسرح من هم بارعون في أداء ما ليس منهم.
وهكذا تتراكم الأدوار المزيفة، ويتحول المسرح من مرآة للواقع إلى مرآة للخداع. يصبح الصعود لا يُمنح إلا لمن يتقن الحيلة، لا لمن يملك الحق. ويُقصى من خُلِق ليُنير، لصالح من برع في التزييف.
وهنا لا يصبح الصراع بين الخير والشر، ولا بين الحقيقة والخيال… بل بين الأدوار ذاتها.
صراع بين من يسعون لتجسيد رسالتهم، وبين من يسعون فقط للظهور. صراع بين الصدق الذي يُخنق، والزيف الذي يُصفق له.
لكن رغم كل ذلك، يبقى شيء لا يموت…
فالدور الحقيقي قد يختفي من المسرح، لكنه يظل نابضًا في القلب. قد يُنسى، لكنه لا يُمحى. وحين تأتي لحظة الصمت، بعد ضجيج طويل، سيعود الصوت الحقيقي، حتى لو همسًا، ليذكر العالم أن على هذا المسرح… لم يكن كل ما رأيناه صدقًا.