ما أكثر المجهود الذي نبذله حتى نبدو بخير.
حين نظهر فقط بالشكل الذي يظنه البعض أنه “العادى”
ولا يعلمون كم من المعارك تدور داخلنا حتى نصل فقط لتلك الصورة….
نقف أمام الناس بملامح ثابتة، بأعصاب هادئة، بصوت لا يرتجف، فيظنون أننا تجاوزنا، أننا لم نتأثر، أننا أقوياء كما كنا دائمًا.
لكنهم لا يرون ما خلف هذه الملامح الهادئة من حطام.
لا يدركون أن الهدوء الذي نبدو عليه هو ثمرة معارك طويلة خضناها وحدنا.
ليست كل الهزائم تُروى.
هناك انكسارات تُخاض في صمت، نخرج منها بجروح لا تلمحها العين، لكنها تسرق من أرواحنا الكثير.
حين نبدو “عاديين” بعد الألم، فإننا لا نكون قد تعافينا، بل قد نكون فقط قد أفرغنا كل ما بنا.
انتهت طاقتنا على البكاء، على الغضب، على الحنين، على حتى الرغبة في التبرير أو الشرح.
أن تصل لمرحلة البلادة الشعورية ليس نضجًا دائمًا…
أحيانًا هو استنزاف.
استنزاف جعلك لا تملك شيئًا تمنحه حتى لنفسك.
تبدو بخير؟
ربما لأنك لم تعد قادرًا على التعبير عن سوء حالك.
تبدو هادئًا؟
ربما لأن ضجيجك الداخلي أنهكك بما يكفي لتصمت إلى الأبد.
ما لا يفهمه البعض أن الشكل الخارجي لا يعكس بالضرورة ما يدور في الداخل.
قد تضحك بوجه من خذلك، لا لأنك سامحت، بل لأنك لا تملك حتى غضبًا كافيًا لتعاتب.
قد تمضي في حياتك، لا لأنك تجاوزت، بل لأنك فقدت الحيلة.
قد تقول “أنا بخير”، لا لأنك كذلك، بل لأنك سئمت شرح ما لا يُفهم.
الوصول لمرحلة “العادي” بعد الخذلان، لا يعني أن الأمور مرت بسهولة.
بل هو في الغالب نتيجة لسلسلة طويلة من الانهيارات الصغيرة، التي لم يلحظها أحد.
أنت الآن لا تشكو… لأنك تعبت من الشكوى.
لا تنتظر… لأنك مللت الانتظار.
لا تبكي… لأنك بكيت كثيرًا حتى جفّت مآقيك.
وها أنت، في النهاية، تقف كمن مر بعاصفة، تراه الناس في سكون، ولا يدركون أن ما بداخلك أرضٌ ميتة لم تعد تنبت شيئًا.
أنك أصبحت “عاديًّا” بعد أن دفعت أثمانًا باهظة.
أنك فقدت أشياء لا تُستعاد، في سبيل أن تظهر كما يريدونك أن تبدو: ثابتًا، قويًا، عاديًا.
فلا تسأل عن العادي… إن لم تكن تعلم كم وجعًا سبقه.
ولا تحكم على من يبدو بخير، دون أن تسأل كم مرة كسرته الحياة ليبدو هكذا…..