
بقلم/ أحمد تركي …
خبير الشؤون العربية
تنطلق سلطنة عُمان لتحقيق مستهدفات رؤيتها المستقبلية “عُمان 2040” من فلسفة الإصلاح الشامل في مختلف القطاعات التي تضمنتها الرؤية، سواء في القطاع الاقتصادي أوالقطاع الإعلامي، أو غيرها من القطاعات.
فالإصلاح الاقتصادي، عبارة عن مجموعة الإجراءات التي تتخذها الدولة لمعالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد، والانتقال إلى نظام اقتصادي أكثر انفتاحًا ومرونة، مع التركيز على تحقيق النمو المستدام، ويهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل، وتقليل معدلات الفقر وعدم المساواة، وتحسين مستوى معيشة المواطنين. وتكمن أهميته في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
أما الإصلاح الإعلامي، فهو عبارة عن مجموعة الإجراءات التي تهدف إلى تطوير قطاع الإعلام، وتعزيز دوره في تحقيق التنمية، من خلال ضمان حرية التعبير، وتعددية الآراء، وتقديم معلومات دقيقة وموثوقة للمواطنين، تشمل محاور الإصلاح الإعلامي، تطوير التشريعات المنظمة لعمل وسائل الإعلام، وتدريب الإعلاميين على معايير المهنية والموضوعية، وتوسيع نطاق حرية تداول المعلومات، وتشجيع استخدام التكنولوجيا الحديثة في تطوير قطاع الإعلام. وتكمن أهميته في تعزيز دور الإعلام في التنمية.
وثمة علاقة تكاملية بين الإصلاحين الاقتصادي والإعلامي، فالإصلاح الإعلامي جزءاً لا يتجزأ من الإصلاح الاقتصادي، حيث يلعب الإعلام دوراً حيوياً في دعم عملية الإصلاح الاقتصادي من خلال نشر الوعي، وتوعية المواطنين، وتشجيع المشاركة المجتمعية، ومراقبة أداء الحكومة، ويؤثر الإصلاح الاقتصادي على قطاع الإعلام، حيث أن تحقيق النمو الاقتصادي المستدام، وتطوير البنية التحتية، وتشجيع الاستثمار الخاص، يسهم في توفير المزيد من الموارد المالية لقطاع الإعلام، وبالتالي تعزيز دوره في التنمية.
وقد نجحت سلطنة عُمان خلال الفترة الماضية في تحقيق أهدافها ومبتغاها من الإصلاحات الاقتصادية والإعلامية، الأمر الذي انعكس في مؤشرات التصنيف الإئتمانية، ورسالتها الإعلامية التي خاطبت بها العالم الآخر لإظهار قيمتها الحقيقة وحضارتها الراسخة وباتت حاضرة في مختلف وسائل الإعلام العربية والعالمية، ومحط أنظار المؤثرين إعلامياً.
ومن هنا جاء إعلان وكالة «موديز» عن رفع التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان من «Ba1» إلى «Baa3» مع تعديل النظرة المستقبلية إلى مستقرة والوصول الى الجدارة الاستثمارية، ليعكس ثقة المؤسسات المالية العالمية بالإصلاحات الاقتصادية التي انتهجتها سلطنة عمان خلال السنوات الماضية، ويعد هذا التطور مؤشر واضح على بداية مرحلة جديدة من الاستقرار المالي والانفتاح على استثمارات نوعية، كما يؤكد على النتائج الإيجابية التي حققتها الحكومة من خلال تعزيز كفاءة الإنفاق العام وبناء قاعدة اقتصادية أكثر مرونة واستدامة.
يؤكد خبراء في الاقتصاد أن هذا التصنيف يعد مكسبا اقتصاديا واستراتيجيا يمكن البناء عليه لتعزيز الاستدامة المالية، وتحفيز بيئة الأعمال، وجذب استثمارات نوعية طويلة الأجل في مختلف القطاعات المستهدفة ضمن «رؤية عمان 2040».
المؤكد أن العوامل الأساسية التي دفعت وكالة موديز إلى رفع التصنيف تتمثل في ثلاثة محاور رئيسية أولها التحسن المالي من خلال انخفاض الدين العام إلى الناتج المحلي (من 61% في 2021 إلى 35.5% في 2024)، وتحقيق فوائض مالية، تليه الإصلاحات الاقتصادية جراء التزام الحكومة بترشيد الإنفاق وتنويع الإيرادات، ضمن إطار «الخطة المالية متوسطة المدى»، ثم انخفاض سعر تعادل النفط من 84 دولارا إلى 70 دولارا الذي يعكس قدرة الدولة على تحقيق التوازن المالي حتى مع أسعار نفط معتدلة، والاستقرار السياسي والإداري نظرا لالتزام سلطنة عمان بالاستقرار الداخلي والمؤسسية في تنفيذ السياسات.
يمكن القول أن رفع التصنيف الائتماني يُعد شهادة دولية على فعالية السياسات الاقتصادية العُمانية، والتزامها بمسار إصلاحي متزن وطموح، وهذا التطور يفتح آفاقًا واسعة لتعزيز بيئة الأعمال، ومع استمرار تنفيذ الخطط الوطنية وزيادة التنويع الاقتصادي، سيمهد لسلطنة عمان الثبات نحو مستقبل اقتصادي أكثر استقرارا وتنافسية على المستوى الإقليمي والعالمي.
والإعلامُ العُماني يواصل تقديم صورة قيمة لسلطنة عُمان إلى العالم
وتأتي الصورة المضيئة الأخري للإصلاح، فمستنداً إلى وعي إعلامي يتناغم مع مستهدفات رؤية عُمان 2040، يواصل الإعلام العُماني تقديم صورة قيمة لسلطنة عُمان للمتلقي والرأي العام العالمي، ولذا عمدت وزارة الإعلام على تنفيذ سياسات وأساليب وبرامج سنوية لتعزيز الحضور الدولي لسلطنة عُمان مثل برامج استضافة الإعلاميين الدوليين وتنظيم لقاءات مع المسؤولين وإعداد أفلام وثائقية وتطوير التعاون مع المؤسسات الإعلامية العالمية مشكلة بذلك مرآة لما تملكه سلطنة عُمان من مقومات وممكنات وما حققته من إنجازات عصرية في مختلف المجالات سياسيًّا واقتصاديًّا وسياحيًّا وثقافيًّا وتنمويًّا.
ولتوسيع دائرة التفاعل مع المؤسسات الإعلامية الدولية، كانت سلطنة عُمان مقصدًا متجددًا لعشرات الإعلاميين من مختلف القارات، الذين جاؤوا يحملون أسئلتهم وعدساتهم، فعادوا بانطباعاتٍ أكثر عمقًا عن بلدٍ يجمع بين الثبات السياسي والانفتاح الحضاري والازدهار الاقتصادي، حيث أثمرت برامج الاستضافة عن إنتاج ما يربو على (937) مادة إعلامية خلال الفترة من يناير عام 2024 حتى يونيو من عام 2025 توزعت بين تقارير مرئية ومقروءة، ومقالات تحليلية، وأفلام قصيرة، ومنشورات تفاعلية على منصات التواصل الاجتماعي ومنصات إعلامية مرموقة، وأصدر بعض هذه المؤسسات الإعلامية العالمية أعدادًا خاصة عن سلطنة عُمان سلطت الضوء على النمو الاقتصادي، والتحول الطاقي باتجاه الهيدروجين الأخضر، والسياسات البيئية المستدامة، فضلًا عن المواقف السياسية المتزنة التي عُرفت بها سلطنة عُمان.
وشكلت مذكرات التفاهم الإعلامية الثنائية التي تجاوز عددها خلال الفترة ذاتها ثماني عشرة مذكرة، وُقّع بعضها، فيما اكتمل إعداد الأخرى للتوقيع، مما يعكس توسع قاعدة الشراكات الإعلامية مع دول صديقة، في سياق يعزز أطر التعاون ويوطد جسور التبادل الإعلامي.
كما انعكست هذه الجهود على ارتفاع عدد المواد الإعلامية التي وردت في الوسائل الإعلامية الإقليمية والعالمية خلال عام 2024م بنسبة تجاوزت 52 بالمائة مقارنة بالعام 2023م، وهو مؤشر على تصاعد الاهتمام الدولي بسلطنة عُمان نظرًا لجهودها البارزة ودورها الفاعل لإحلال السلم والأمن الدوليين أبرزها وساطتها واستضافتها المحادثات الإيرانية الأمريكية بالإضافة إلى نشاطها اللافت الاقتصادي والتجاري والاستثماري.
وفي إطار إبراز الدور الحضاري لسلطنة عُمان والتاريخ العُماني العريق، فقد أشرفت وزارةُ الإعلام على إنتاج سلسلة من الفيلم الوثائقي “بيت العجائب” بثلاث لغات وعُرض في المملكة المتحدة، وسيُعرض في دول أخرى، بالإضافة إلى تدشين كتاب يوثّق الدّور الحضاري العُماني في زنجبار وشرق أفريقيا.
كما تم التعاون مع قناة آر تي الروسية لإنتاج فيلم “الخنجر” الذي عُرض في روسيا الاتحادية مما يؤكد على دور الأبعاد الثقافيّة والتاريخيّة في الحضور الدولي لسلطنة عُمان، ويتضمن الفيلم قصة خنجر تاريخي، وكيف تم نقله من المتحف الوطني العُماني إلى متحف الإرميتاج الروسي.
ووسّعت وزارة الإعلام العُمانية شبكة علاقاتها الدولية، مستفيدة من قاعدة بيانات تضم أكثر من 500 جهة إعلامية على المستويين الإقليمي والعالمي، وتتواصل معها بفاعلية عبر أدوات تقنية وتكنولوجية حديثة ودشنت تجربة النشر الرقمي للمحتوى الموجه للإعلام الأجنبي، وهو ما لاقى تجاوبًا إيجابيًّا واسعًا، خاصة مع تصاعد اهتمام وسائل الإعلام العالمية بالدور العُماني في ملفات البيئة والطاقة، لا سيما في مجال الهيدروجين الأخضر، وهو ما تجلى خلال زيارة السُّلطان هيثم بن طارق إلى مملكة هولندا، وافتتاح مشروع استراتيجي يُعدّ الأكبر من نوعه في تصدير الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا.
كما أن وزارة الإعلام العُمانية عضو نشط في اتحاد البث الأوروبي، وتشارك في مشروعٍ بالتعاون مع “بي بي سي” لتصحيح المدخلات الرقمية حول سلطنة عُمان في تقنيات الذكاء الاصطناعي، لضمان تقديم صورة دقيقة ومحدثة عن سلطنة عُمان في الفضاء المعلوماتي العالمي.
وفي هذا السياق،أكدت شيخة بنت أحمد المحروقية، المديرة العامة للإعلام الخارجي المنتدبة إن تعزيز الصورة الذهنية لسلطنة عُمان يتطلب عملًا متواصلًا، وتفاعلًا واعيًا مع الإعلام الدولي، يقوم على الاحترافية والانفتاح المدروس كونه استثمارًا طويل المدى في مكانة الوطن وسمعته، وتأكيدًا على مواقفه النبيلة ورسالته الإنسانية.
وبهذا النهج المتوازن، يواصل الإعلام العُماني أداء رسالته الصادقة والموضوعية في خدمة سلطنة عُمان، مُستلهمًا مبادئه من الثوابت الوطنية، ورؤيته المستقبلية ويقينه الراسخ بأن للإعلام دورًا محوريًّا في رسم ملامح الحضور الدولي.