الثلاثاء , 5 أغسطس 2025

صبرين حسن تكتب:  لا تقطفوا الياسمين 

= 179

أصبحنا نستيقظ كل يوم علي فواجع حوادث الطرق ..

نتعاطف ونحزن  وندعوا بالشفاء للمصابين وبالرحمة لمن فارقوا الحياة ، ولكن لا يأخذنا الحزن في طياته كثيرا عندما يكون المصاب مجرد عابر وليس من دائرة معارفنا ، وتأخذنا دوامة الحياة لنتابع يومنا بالإعتياد المتعارف عليه ..

ولكن عندما نستيقظ علي حادث مروع ووفاة لقريب أو صديق فيكون صباحا مختلفا وحزنا مختلفا يتوقف عنده الإعتياد

ويصبح المشهد مشوش بأحاسيس مبعثرة ما بين صدمة الغفلة ، وبين حزن موجع يفوق كل الإحتمال ..

وهذا بالفعل ما حدث  معي ذات صباح سيئ بالساعة الخامسة صباحا ، فعندما كنت أتجول علي صفحات الفيسبوك كعادتي كل صباح ، وشاهدت صورة من خبر لحادت 

( مركبات مهشمة ، زجاج متطاير هنا وهناك ، ودماء إكتسحت الطريق ، ومارة إكتظت بأرجلهم المكان )

وعدة جمل مختصرة توضح المشهد :

زوج بالعناية المركزة بنزيف في المخ وكسر بالجمجمة 

وطفل ثلاث سنوات مصاب بكسر بالقدم وعدة جروح وكدمات بالوجه

وأم تحمل جنينا في إحشائها في شهره السابع وبحالة خطرة

وبعدها بقليل خبر ٱخر بجملة واحدة ( ماتت ياسمين ) ..

انقبض قلبي ، وقبل ان أستوعب المشهد فإذا بصوت الجوال ينبهني بوجود متصل..

متصل بهذا التوقيت ؟!

فإذا بيدي وكأن أثقال تقيدها كي لا أستجيب للجوال ، ولا أجيب علي المتصل ، جاهدت خوفي وأجبت ..

والتقطت أذني حينها خبرا كالصاعقة 

( ياسمين ماتت ) وأعترف بأني تعمدت عدم الإصغاء متمنية ان أكون أخطأت السمع ..

ف ( ياسمين ) هي السيدة الصغيرة ذات ال ٢٥ عاما وهي إبنة لإبنة خالتي ، وبالنسبة لي هي الفتاة الصغيرة المهذبة الرقيقة الجميلة حلوة اللسان دائمة الإبتسام..

التي كانت دائما تطمئن بالسؤال عني ، أو تأتي لزيارتي ..

فتاة العائلة التي ننتظر حضور حفل قدوم مولودها قريبا ..

وسرعان ما تبدل الحال وتوجب علينا ان نودعها لمثواها الأخير 

وفي مشهد جلل وجنازة مهيبة وأصوات توجع قلب الصمت 

ما بين همهمات دعاء وبكاء

وبين والداها وكأن قلبهما مشاع للجميع يري ما بداخله من صدمة وحزن وألم وانكسار ..

وهامة سوداء سريعا ما ٱفترشت تحت أعينهم وكأنها تحكي ذكرايات سنوات ما بين تعب وشقاء وحزن وفرح وأمنيات لم تكتمل

أجهضها إنسان غير مسئول يسير بسيارته برعونة ، منتشي

ويحصد أرواح البشر ..

ليس فقط من ٱمن العقاب هو من يسئ الٱدب ، ولكن أيضا من كان عقابه غير مساوي لجرمه 

أساء كل شئ ..

فالعقاب المتعارف عليه في مثل هذا الجرم عدة سنوات بسيطة في درجة التقاضي الأولي وتقل مع الإستئناف وخلافه ..

ثم يخرج الجاني المستهتر ليعيش حياته وكأن شيئا لم يكن

تاركا خلفه مأساة متكاملة 

بيوت خربت ، وبيوت إتشحت بالسواد والحزن مدي الحياة حزنا علي من فقدوا ، وأطفال تيتمت .

ليست ( ياسمين ) الحالة الموجعة الأولي التي تعاطف معها الجميع ، فكثيرا من الورود إقتطفتهم حوادث الطرق علي يد أشباه البشر العابثين علي الطريق غير مبالين بأرواح البشر

ولن تكون الأخيرة ..

أما ٱن لأصحاب القرار أن يغيروا هذه القوانين الهاشة ، الغير رادعة ..

ٱما ٱن أن تهدء أرواح من بالقبور وقلوب كل المكلومين بأخذ حقوقهم ..

فبغير قوانين صارمة ومشددة وتغليط العقوبات لجرم حوادث الطرق لن يستقيم المستهتر 

ولن يأمن الطريق ، وسنستيقظ كل يوم علي قطف الياسمين.

شاهد أيضاً

د. رحاب غزالة تكتب: ندعم شبابنا المجتهد… ونُحيي الدولة وأجهزتها على التصدي للفاسدين

عدد المشاهدات = 2047 في ظل التحديات الأخلاقية والفكرية التي تواجه شباب مصر، ومع تفشّي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.