الجمعة , 11 يوليو 2025

سعيدة شرف تُعيد للغناء روحه المواطِنة بمهرجان الفنون الشعبية

= 134
المغرب – نادية الصبار
في ليلة استثنائية من ليالي المهرجان الوطني للفنون الشعبية في دورته الرابعة والخمسين بالجوهرة الأصيلة مراكش، ألهبت الفنانة سعيدة شرف منصة قصر البديع بصوتها القوي والمتوهج، مقدّمة عرضًا فنيًا تجاوز حدود الغناء والأداء، ليصبح لحظة اشتعال فني وروحي جمع بين التراث والهوية والوطن.
لم تطأ قدما سعيدة شرف منصة البديع لتكتفي بكشكول غنائي من ربرتوارها الخاص، بل لتُبدع مع فرق شعبية لوحات باذخة وسخية، جمعت ألوان الموسيقى المغربية المتنوعة من الحساني إلى الأمازيغي مرورًا بكل التعبيرات التراثية، فكانت صوت الجنوب الذي احتفى بالمغرب كله.
سعيدة شرف؛ التي تشرفت بكونها أول امرأة تعتلي هذه المنصة العريقة في مناسبة مماثلة، وتشارك في هذه التظاهرة للمرة الأولى، سطعت بين نجوم المهرجان كنجم فريد، فاض صوتها بانسجام نادر مع الإيقاعات المختلفة، ولامس الحناجر والقلوب في آن.
وكانت أيضًا أول امرأة تحظى بدرع المهرجان، ولم تشأ أن تتسلّمه وحدها، بل تقاسمته بكل عرفان مع من تعتبره “عرّابها” وأباها الروحي، الموسيقار وعازف العود الحاج يونس، صاحب الفضل في انطلاقتها الفنية قبل عشرين سنة، وذلك في حضور الفنان الكبير فؤاد الزبادي، صاحب الحنجرة الذهبية والذي شاركها الغناء على المنصة.
وفي ندوة صحافية سبقت الحفل، عبّرت سعيدة شرف عن فخرها واعتزازها بالمشاركة والتكريم، معتبرة هذا الحدث تتويجًا لمسيرة فنية امتدت لأكثر من عشرين سنة، ومسارًا حافلًا بالمثابرة والتجديد. ووصفت هذه الدورة بكونها رمزية بامتياز، بحكم احتضان قصر البديع للفعاليات، وتزامنها مع الذكرى الأربعين لتأسيس جمعية الأطلس الكبير، المنظمة للمهرجان.
لكن ما جعل عرضها مميزًا بحق، هو ذلك النفَس الذي تجاوز حدود الأداء الفني ليتحوّل إلى نداء وجداني مُحمّل بالإحساس بالانتماء. فاحتفت بكل الألوان الموسيقية التي تمثل المغرب من شماله إلى جنوبه، ودمجت الكدرة والشرعة من عمق الصحراء، مع إيقاعات الهيت والفلكلور الأمازيغي.
لقد استطاعت نجمة النسخة الرابعة والخمسين أن تخلق لحظة احتفال فني ومواطنتي، تجاوز الترفيه ليُصبح فعلًا تعبويًا وجدانيًا. حيث جعلت الجمهور تفيض مشاعره بروح “تمغربيت”، وبوحدة الانتماء، وبجمالية الاختلاف الذي يشكّل المغاربة.
فلم تكن سعيدة تغني لتغني فقط، بل كانت توصل رسالة حب كبيرة لهذا الوطن المتعدد، فكانت سفيرة الجنوب وصوت الصحراء، وامرأة صدحت بفنها كي تقول: نحن هنا، موحدون تحت الراية العلوية.
وبحسب متتبعين لمسارها الفني، لم تكن ليلة البديع مجرد عرض، بل مشهدًا متكاملًا ألهب الحضور، وجسّد الفن الشعبي في أبهى صوره. صوت سعيدة شرف القوي والشفاف تجاوبت معه الأسوار والقباب وأطلال التاريخ، وكأنها تشهد أن حضارة كانت هناك، وها هي حنجرة ذهبية تحييها من جديد بالغناء ورقّة الأداء.
وبهذا الظهور، أثبتت سعيدة شرف أن الفن بالنسبة لها ليس مجرد صوت يُسمع، بل فعل مدني وثقافي عميق، يُذكّر الجميع بالمشترك الإنساني، ويعيد وصل ما قد ينقطع بين المغاربة وجذورهم. فقد كانت، وبحق، عروس الدورة، ونجمة النجوم في إحدى لياليها، لأنها أدّت بإحساس، وحملت إلى الحضور دفء الجنوب، وشموخ الصحراء، ونخوة القبيلة، وكبرياء امرأة تأبى إلا أن تكون كذلك… سعيدة شرف، وكفى!

شاهد أيضاً

المستشار الإعلامي علي القرني يكشف تأثير التكنولوجيا على مستقبل الإعلام

عدد المشاهدات = 834 أكد المستشار الإعلامي علي عايض القرني أن التكنولوجيا أحدثت تحولاً جذرياً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.