الأحد , 22 يونيو 2025

رياض العمر… حين يغني القلب من بيروت إلى الرباط

= 95
د . محمد سعد
في زمن تتقاذفه الهويات وتتعالى فيه ضجيجات الانتماء، يبرز الفنان اللبناني رياض العمر كنموذج فني وإنساني متفرّد، استطاع أن يمدّ الجسر بين ضفّتين: لبنان والمغرب، بصوتٍ يقطر دفئًا، وبأغانٍ تنسج المحبة من وترٍ مشترك.
ولد رياض العمر في لبنان، أرض الأرز والقصائد، وحمل صوته أول ما حمله إلى الناس عام 1997 عبر ألبومه “وقليش”، حيث بدا كأنّه يختبر المسافات الأولى بين الحنين والكلمة. لكنه لم يكتفِ بمساره المحلي، بل اختار أن يعبر البحر، لا ليغترب، بل ليعانق وطنًا ثانيًا وجده في المغرب.
في المغرب، لم يكن رياض مجرّد فنان مقيم، بل كان صوتًا يسكن الذاكرة الجماعية للعديد من المحافل والمناسبات، ووجهًا حاضرًا في الإعلام والثقافة، يختار كلماته كما يختار ألحانه، مترنمًا بالحب والانتماء والوفاء. وهو القائل: “ولدتُ لبنانيًا، واخترتُ المغرب وطنًا ثانيًا برغبتي، وبقلبي”.
لقد تغنّى بالصحراء المغربية في أغنيته “الصحرا ديالنا”، وعبّر عن محبته للعاهل المغربي الملك محمد السادس في أغنية “يا حبيب الشعب”، وجعل من صوته منبرًا للوحدة الوطنية والتآخي العربي، مجسّدًا بذلك فلسفة الفن كجسر لا كسياج، وكوطن لا كجنسية.
وحين انفجر مرفأ بيروت ذات حزن، لم يقف صامتًا. بل غنّى للعاصمة التي علّمته كيف يكون الحزن مهيبًا، وأطلق أغنيته “بيروت بتجمعنا” من مقر السفارة اللبنانية في الرباط، ممسكًا بيديه خيطين من وجعٍ واحد: وجع الغربة، ووجع الانفجار.
رياض العمر لا يتحدّث كثيرًا عن مشاريعه، فهو يفضّل أن يترك الألحان تفصح، وأن تنوب عنه الأغاني في التعبير عن روحه. لكنه، رغم ذلك، حاضر دائمًا في المشهد الثقافي المغربي، مشاركًا في المهرجانات، متفاعلًا مع الجمهور، وكأنه يقول لهم: “أنا منكم، كما أنا من لبنان”.
في تجربته، تتجلى القدرة على العبور بين الثقافات دون أن يتنازل عن صوته أو جذوره. هو الذي يمسك بيد الطرب اللبناني، ويصافح باليد الأخرى روح المغرب: من تطوان إلى الدار البيضاء، ومن الرباط إلى أغادير، صوته يظل مشبعًا بروح المشرق ومطر الأطلس.
الفنان الذي غنّى للحب، للوطن، للهوية، لا يُمكن حصره في قالبٍ واحد. فهو ابن بيروت ورفيق الرباط، وهو الحنين حين يُغنّى، والعيد حين يُبتهج، والقصيدة حين تُطرّز بماء الورد
إن تجربة رياض العمر، ليست فقط تجربة فنية، بل هي حالة وجدانية عابرة للحدود. وقد يكون أهم ما يُقال عنه: أنه اختار أن يكون رسول محبة بين شعبين، وفنانًا بلا خنادق، يغني للمكان… وللإنسان.

شاهد أيضاً

مهرجان International Fashion Awards يكرم منة فضالي وجوري بكر ولقاء سويدان ونوال عبد الشافي في دورته الـ13

عدد المشاهدات = 1519 أقيمت مساء أمس الأحد، فعاليات الدورة الـ13 من مهرجان International Fashion …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.