الأحد , 27 يوليو 2025

رائحةُ الذكريات…خاطرة بقلم: نبيلة حسن عبدالمقصود

= 271

في زحامِ الحياة، قد يمضي الإنسان مُتماسكًا في ظاهره، يبتسم ويواصل، لكنّ نسمةً خفيفة، عابرة، كفيلة بأن تزلزل سكونه، فقط لأنها تحمل عبيرًا يشبه زمنًا مضى…
رائحةٌ ما، لا تُرى، لا تُمَس، لكنها تُشعل القلب، وتستدعي مشاهد كانت نائمة على أطراف الذاكرة، كأنّ القلب يخبّئ مكتبة كاملة من الروائح، تُمثّل كل واحدةٍ منها مفتاحٌ لذاكرة، لقصة، لوجه، لصوت، وربما لوجعٍ لم يُعلن عنه قط.

ليس غريبًا أن نستنشق عبير المطر، فنشعر بأننا عدنا أطفالًا في أولى لحظات الدهشة.
ليس غريبًا أن تهاجمنا رائحة عطرٍ قديم، فنشعر بأننا نقف وجهًا لوجه أمام من فارقونا، وكأن الزمن يتقافز في لحظة.

الرائحة لا تمرّ عبثًا أبدًا.
الحياة نفسها لها رائحة… رائحة البدايات، التطلعات، الشغف الأول، خطواتنا المتعثّرة نحو الحلم.
والموت له رائحة… صمتٌ كثيف، وسكونٌ مفاجئ، ونهايةٌ يُخزّنها القلب في عمق الخلايا، لا تزول.
الفرح له رائحة خفيفة كنسمة ربيع،
والحزن له رائحة ثقيلة كعطرٍ لم يُغادر المكان رغم الغياب.
السفر له رائحة وداع،
والقرب له رائحة أمان،
والبعد… له رائحة بردٍ لا يُحتمل.

نحن لا نتذكر فقط بما نراه أو نسمعه، بل بما نشمّه كذلك.
لذا، حين يجلس الإنسان في وحدته، تتدفق إليه تلك الروائح من ثنايا قلبه، واحدة تلو الأخرى، تحمل معها أطيافًا لذكرياتٍ لم تمت، بل خُبئت في عبير اللحظة.
كأن الأشياء التي نحبها أو نخافها، لا تكتفي بمرورها علينا، بل تُقرر أن تترك عبقها معنا، كأثرٍ لا يُمحى.

فقد يبدو الإنسان ساكنًا في عيون الآخرين، لكنّه في داخله يخوض معاركَ لا تُرى…
يصادف رائحة الأمس، فينكمش وجعه،
أو رائحة حبٍ قديم، فيبتسم القلب رغم الجراح،
أو رائحة حلمٍ اندثر، فيعاوده الأمل أو يعصره الندم.

كل شيءٍ في هذه الحياة قابلٌ للزوال…
إلا الرائحة، فهي تمضي خلفك، وتعود إليك، وتستقر فيك، كأنها الجزء الخفي منك، لا يموت.

فاحترم ذاكرتك، واستمتع برائحة من تحب،
لأن القلب لا ينسى ما عبق فيه ذات يوم…
ولا الزمن يستطيع محو ما نُقش بعطر الوجود.

شاهد أيضاً

سهير عمارة - كاتبة 023

“أنا الغلبان”… من خواطر د. سهير حسين

عدد المشاهدات = 320 أنا الغلبان… قلبي ف إيدي ووشّي مكسور بمشي الدنيا… وهي ماشية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.