تبدأ بعض العلاقات تبهرك برونقها وجمالها، فتشعر أنها نعمة لن تتكرر، ويؤكّد شعورك هذا تلك المواقف المتتالية والسنوات المفعمة بالحب والتواصل واللحظات الاستثنائية. فتزداد انبهاراً بذلك القدر من الجمال، وبأبسط التفاصيل المتناغمة التي تجزم في أعماقك أنها لن تتكرر ما حييت.
ولكن، ما الذي يجعل الذكريات الجميلة يبهت بريقها؟ وكيف يصل أصحابها إلى مستوى الغرباء؟
تتغيّر العلاقات عندما يتغيّر الإيقاع الداخلي بين القلوب؛ فيسبق أحدهم في العطاء، ويتأخر الآخر في الفهم، فتختلّ الموازين، وتفتر المشاعر، ويبهت الحضور.
فالعلاقات كالكائنات الحيّة، تنمو حين تُروى بالاهتمام والحب والعناية بأبسط التفاصيل، وتذبل حين يُهمل أحد أطرافها تلك التفاصيل الصغيرة: من سؤالٍ بسيط، أو حضورٍ صادق في لحظةٍ سعيدة أو مُرهقة.
فليس الزمن هو ما يضعف العلاقات، بل تغيّر درجة العناية السابقة بها. وحين يُستبدل الحوار الجميل بالصمت، والعفوية الصادقة بالمجاملة، والتقدير بالاعتياد، تبدأ الروح في فقدان دفئها الأول.
ليست كل علاقة تبهت قد انتهت، فبعض المسافات تُعيننا على مراجعة النفس وقيمة العلاقة، وتُمنَح للعلاقات كي تتنفس من جديد وتعود بشكل أكثر وعياً ونضجاً. أحياناً نحتاج إلى مسافة كي ندرك قيمة الحضور، وإلى هدوء كي نسمع صوت المودة الخافت الذي ضاع بين ضجيج التفاصيل. فالغياب لا يُفسد دائماً، بل يكشف حقيقة ما تبقّى في القلب من صدق ومودة أو فتور.
العلاقات لا تفقد قيمتها حين تتغيّر، بل حين نتعامل مع التغيّر كفقدٍ لا كتحوّل. فالقلوب لا تبقى كما كانت، لكنها تحتفظ بذكريات النقاء الأولى، وببصمةٍ لا يزيلها الغياب. وربما يُعلّمنا الزمن أن الجمال لا يُقاس بطول مدة العلاقة، بل بصدق اللحظات التي عشناها.
فبعض العلاقات وُهِبت لنا لترافقنا عمراً، وأخرى لتوقظ فينا درساً لا يُنسى، لنفهم في النهاية أن التغيّر ليس دائماً خسارة، بل هو شكل آخر من أشكال البقاء.
—————————-
* كاتبة ومدربة في مجال الأسرة والأبناء – دولة الإمارات.
حياتي اليوم صحيفة إلكترونية يومية
