يجلس أحد الأبناء في غرفته لساعات طويلة، وجهاز الحاسوب المحمول أمامه، وابتسامته حاضرة، وهو يتفاعل مع العالم في الفضاء الإلكتروني. وخلف تلك الابتسامة تختبئ عاصفة صامتة من القلق، وعدم الرضا التي لا يراها أحد. بعض الأطفال لم يعودوا يصرخون كما كنا نفعل، ولا يشتكون أو يتذمرون كما اعتدنا في مرحلة الطفولة، بل يختارون الصمت طريقاً للهروب من نظرات الحكم والانتقاد اللاذع. هكذا أصبح القلق هادئاً يعيش بيننا دون صوت، لكنه ينهش في أعماق بعض الشباب والأطفال على حد سواء.
نحن أمام جيل يواجه واقعاً مختلفاً كلياً؛ عالم رقمي سريع الإيقاع، وتنافس أكاديمي لا يرحم، وتوقعات أسرية عالية، ومقارنة يومية مع الآخرين عبر الشاشات التي تشعرهم باستمرار بالدونية. لكن لماذا لا يبوح هذا الجيل، ولا يسترسل في الحديث بأريحية مع أسرته لتخفيف هذا الشعور؟
لقد نشأ جيل اليوم في بيئة تشجع على الحياة الرغيدة، والمظهر المثالي، والحياة بلا أخطاء. وهذا النوع في حد ذاته يشكل عبئاً ثقيلاً على النفس. وهكذا يصبح الصمت ملجأ، والابتسامة قناعاً يحميه من نظرات قد لا تحتمل هشاشته، ولا تشفع لإخفاقاته.
لذا حتى نتمكن من معالجة هذه المعاناة ونخفف عن الأبناء الزوبعة الداخلية التي يعيشونها، حاول حين يأتيك أحدهم بحزن ألّا تسأله: «ماذا بك؟» وكأنك تنتظر إجابة سريعة، بل قل له: «أنا هنا إن أردت الحديث».
فهذه الجملة وحدها كفيلة بفتح الأبواب المغلقة في قلوبهم. ولنخصص وقتاً يومياً للحوار مع الأبناء بعيداً عن الشاشات، نسألهم فيه عن مشاعرهم لا عن إنجازاتهم فقط. وبدلاً من قول: «ما فيك شي»، فلنقل: «أفهم أنك متعب، خذ وقتك وسنجد الحل معاً». تذكّر دائماً أن القلق الهادئ لا يحتاج إلى دواء، بقدر ما يحتاج إلى قلب ينصت، وإلى نظرة تفهم أكثر مما تحكم، وإلى كلمة تقال في وقتها: «أنا أراك، وأنا معك».
———————
* كاتبة ومدربة في مجال الأسرة والأبناء – دولة الإمارات.
حياتي اليوم صحيفة إلكترونية يومية
