الأربعاء , 25 يونيو 2025
سهير عمارة - كاتبة 023

د. سهير حسين تكتب: التعليم في مصر.. أزمة مدرسة أم أزمة مجتمع؟

= 2417

التعليم في أي دولة هو مرآة حقيقية لمستوى تطورها وتحضرها، ووسيلة فعالة لبناء الإنسان ورفع شأن المجتمع. وفي مصر، كان التعليم تاريخيًا حجر الأساس في نهضة الوطن، لكن الواقع اليوم يُشير إلى أزمة حقيقية لم تعد محصورة في المناهج أو البنية التحتية، بل امتدت لتشمل القيم، والمعلم، والطالب.

تدهور المستوى الأخلاقي للطلاب

من أبرز الظواهر التي يلاحظها كل من يقترب من المدارس المصرية، الانحدار الأخلاقي الواضح في سلوكيات الطلاب، خاصة في المراحل الإعدادية والثانوية. فلم يعد احترام المعلم قيمة أساسية كما كان، ولا التمسك بالقيم والانضباط سلوكًا عامًا. انتشرت ظواهر التنمر، الغش، التسيب، والعنف، حتى داخل أسوار المدارس. ويعود هذا الانحدار إلى غياب القدوة، وضعف الرقابة الأسرية، وتراجع دور المدرسة كمؤسسة تربوية قبل أن تكون تعليمية.

ضعف المستوى الفكري والتأهيلي للمعلم

المعلم الذي كان يومًا “قدوة” و”رسولًا” أصبح يعاني من التهميش وفقدان المكانة الاجتماعية. كثير من المعلمين اليوم لم ينالوا التأهيل الكافي، سواء في الجانب الأكاديمي أو النفسي أو التربوي. كما أن تدني الرواتب دفع البعض إلى اللجوء للدروس الخصوصية كمصدر دخل، مما أفقد العملية التعليمية توازنها، وخلق علاقة تجارية بين الطالب والمعلم بدلًا من العلاقة التعليمية التربوية.

مناهج تقوم على الكم لا الكيف

مشكلة أخرى تضرب بجذورها في عمق النظام التعليمي المصري، وهي طريقة وضع المناهج الدراسية. فالمؤسسة التعليمية تهتم بـ”الكم” لا “الكيف”، فتحمّل الطالب كمًا هائلًا من المعلومات دون مراعاة قدرته على الفهم والتحليل. والكارثة الأكبر أنه مع كل تغيير وزاري، تتغير خريطة التعليم وتُعاد صياغة المناهج وفق توجهات الوزير الجديد، دون استراتيجية ثابتة طويلة المدى. فبدلًا من تغيير الخارطة التعليمية، الأجدر تعديل الطرق والأساليب التي تخلق مواطنًا متعلمًا فاهمًا لا حافظًا مؤقتًا يُلقي بما حفظه فور انتهاء الامتحان.

إهمال المراحل الأولى.. وتكدس وفقر في البنية

من الواضح أيضًا إهمال المراحل التعليمية الأولى، والتي تعد الأساس الحقيقي لأي بناء تربوي. ويُضاف إلى ذلك ضعف التوسع في المباني التعليمية، مما يؤدي إلى تكدّس طلابي خطير داخل الفصول والقاعات، وسط بيئة تفتقر إلى أبسط وسائل التعلم من تقنيات، ووسائل بصرية، ومكتبات حقيقية.

ضعف المنظومة في تعديل السلوك وغياب القوانين الرادعة

تعاني المنظومة التعليمية من تقاعس كبير في تعديل سلوكيات الطلاب، فلا توجد قوانين واضحة لتربية الطالب على الاحترام والانضباط، وحتى القوانين الموجودة لا تُطبّق. وتنتشر مدارس تُعرف بتشجيع الغش الجماعي، دون تحرك لإغلاقها أو محاسبة إداراتها. هذه المدارس تقتل فكرة العدالة وتكرّس للفساد منذ سن مبكرة.

التعليم.. قضية أكبر من مقال

إن أزمة التعليم في مصر لا يمكن اختصارها في سطور، بل تحتاج إلى مجلدات تحتوي على قواعد واضحة، وسنّ قوانين رادعة، وخطة استراتيجية تشمل البنية، المعلم، الطالب، المنهج، والرقابة، حتى تعود للمدرسة المصرية هيبتها، وللمعلم مكانته، وللطالب احترامه لذاته ومجتمعه.

وسنوافيكم في مقالنا القادم بخطة إصلاح تعليمي شاملة، ترسم الطريق نحو تعليم حقيقي يُخرّج مواطنًا فاهمًا، منتجًا، صالحًا لبناء المستقبل.

وافتخر انني كنت معلمة ولدي بصمات خاصة ف تعليم الاطفال.

شاهد أيضاً

د. عائشة الجناحي تكتب: حين يُصبح البُعد قرباً

عدد المشاهدات = 8270 أحياناً نتساءل لماذا لم تستمر بعض العلاقات بنفس القوة والانسجام؟ ولماذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.