الجمعة , 19 أبريل 2024

“حجرة سكنها الشيطان” … قصة بقلم فاطمة حمزة

= 2196

كان المكان مظلما، ظهر الشيطان من خلال بقعة ضوء سلطت عليه متكأ على عرش صنعه لنفسه في الفضاء، وقف آدم من أمامه يستمع له وهو يحكي واحدا من أعظم انتصاراته على بني الإنسان.

ضحك الشيطان ضحكة عالية مجلجلة ملأت السماء أظهرت تجاعيد وجهه القبيح العجوز، نظر لآدم وعيناه ترميه بشرار الغيرة والحقد، قال بفخر وهو يستعيد بذاكرته ذلك اليوم الذي طالما حكى عنه في كل مناسبة:

كنت أسعى بين جنبات الحجرة جيئة وذهابا في ملل.
حجرة تسكنها امرأة عجوز تصدر همهمات غير مفهومة سرعان ما تحولت لحديث بلغة دارجة، أضاء الحجرة مصباح جاز مُعلق بأحد الأركان. طرقت أحلام ابنتها الصغرى الباب، وعند دخولها رأيت في وجهها غضب وحسد فاستعديت للمتعة.
مِلْت على يسار العجوز أوسوس لها كي تسألها عن أخبارها وأخبار جيرانها، حَكَّت العجوز أذنها واستجابت، مالت برأسها وقالت:
أهلا بك يا أبنتي، كيف حالك وحال جيرانك أما زالوا يسببون لك الضيق؟

انتقلت على الفور أوسوس بأذن الإبنة التي لم تتعبني كثيرا، حكت عن جارتها قالت انها حين كانت تخرج قمامة منزلها لمحت قمامة الجارة مليئة بأنواع غالية الثمن من صفائح المعلبات والأطعمة الجاهزة وأدوات التجميل وزجاجات العطر الفارغة، أردفت الابنة: أحسدها على جمالها، تقف ليل نهار أمام المرآة تضع زينتها، لا تتركها أبدا ولا تقوم بأعمال منزلها، يأتى لها زوجها بكل ما تريد ولديها من يخدمونها..
قالت العجوز دون احتياج لتدخل مني:
انها مبزرة لا تراعي زوجها الذي لا يبخل عليها قط.
نفخت بأذن الإبنة، واستشعرت هي فمالت تدعكها بكتفها وهي تقول:
أما جارتي سميرة، دائما ما تتكتم على نفسها حتى وإن حاولت التجسس، تخبئ حالها بين طياتها فلا تكشف عن سرها أبدا.
راحت أحلام تقضم أظافرها في غيظ قالت بعدها: اما رحمة تلك البشعة فلا حاجة لي بالتصنت عليها صوتها العالي يعلمني بحالها كله، لا تكف عن الصياح في أبنائها، اسمعها تتشاجر مع زوجها، وأحيانا يأتيني صوت المذياع من مسكنها بأصوات الأغاني والموسيقى الصاخبة دائما ما تزعجني، أعرف حينها أنها وزوجها عادوا للتصالح.
رحت اسير عاقدا يدي وراء ظهري مستعدا، التفت للعجوز رأيتها صامتة، ملت على أذنيها اوسوس لها، وتركتها حين بدأت الكلام، قالت:
أزواج بلا فائدة.. حدثيني عن حالك وحال زوجك وأبنائك.

لم أجد داعي تلك المرة للإنتقال لأذن الإبنة فهي ستقوم بما أريد دون مساعدة مني، وقفت استمع في لذة.

_ حالي لا يسر، ليل نهار أعمل حتى تكسرت ضلوعي َوزوجي في عمله لا يأتي البيت إلا ليأكل وينام، أما أبنائي فكلٌ في دراسته يجد ويجتهد.. حالي هو أقل حال بين الجميع، ألا تنظرين الى حنين زوجة عزيز ابن العم فهي في راحة تامة، ترسل أبنائها مدرسة باهظة الثمن، يرتدون الملابس الغالية، يأتى لها زوجها بكل ما تشتهي، يسكنها في منطقة راقية بالمدينة، إنها لا تشبع، مازالت تطلب المزيد، تنفق كل أموال زوجها على مظهرها ومظهر أبنائها.

العجوز: ذلك الأخرق ابن أمه، أفرط في تدليلها لم يستطع ردعها منذ البداية تركها تفعل ماتشاء. ألم تريه يشبه النساء بمجلسهن؟! يخوض في أحاديثهن، لم تعلمه أمه كيف تكون الرجولة.

_وأخته تلك البخيلة الشحيحة في بيتها عندما أذهب لزيارتها تصنع لي عصيرا من خمس حبات من الفراولة على دورق من الماء وتقول لي اشربي هذا من أجلك.

رحت اطير بالغرفة فرحا أنفخ في اذنيهما، سعدت عندما نظرت كامل الإبن الأوسط للعجوز ينضم إليهما، ألقى التحية وسألته العجوز:
أين كنت؟
كنت بصلاة العشاء.
عقدت جبيني، وشعرت بغصة، فقد نسيت حضور تلك الصلاة، أكون في أسعد لحظاتي عندما أقف بالفراغ وسط المصلين اشغل تفكيرهم فأذكرهم بأحداث لم تخطر لهم على بال من قبل.
ما علي، سأنتظر الصلاة التالية، علي الآن أن أركز في مهمتي مع العجوز، فقد قاربت نهايتها أريدها معي تؤنس وحدتي بجهنم، أهتممت بها جلست على يسارها اوسوس، أراها تحك أذنها، طال صمتها، قالت:
مالي أراك مهموما؟

علا وجه كامل الغم وصاح فيها وكنت انتقلت إليه:

اسمعي يا أماه إن لم تتصرفي مع ابنك الأكبر مراد سيكون لي تصرفا أخر ، جدار بيني وبينه يمنع أذى امرأته عني وعن زوجتي.

أوحيت لأحلام أن تسأله عن زوجته:

، وأين هي زهيرة زوجتك الآن؟ ألن تكف عن تركها لأمنا وحيدة عاجزة عن خدمة نفسها، فهي تذهب إلى بيت أهلها مرة كل إسبوع.

كامل:
لا تلوموا عليها فهي في حاجة للراحة من الخدمة ليل نهار، البيت كبير عليها ومن حقها أن تزور أمها..

العجوز: إنها شيطانة، لا تكف ابداً عن الزن في أذاني بما يغضبني من الناس ممن تكرههم و تحثني على كرههم..

غضبت بشدة عندما وصفت تلك العجوز زوجة ابنها بي.. اصمتي ايتها العجوز لا تصفيها بي، فأنا لا أحد يشبهني منكم، أنا من نار وانتم من طين، خُلِقت قبلكم وأخرجت أباكم من الجنة بحنكة وذكاء أعطاه الله لي أما أنتم، أغبية كنود.
أمسكت بدورق العجوز غاضبا ألقيته على الأرض فانكب منه الماء، سمعتها تستعيذ بالله مني، كنت على وشك الإحتراق لولا أني أنطقت أحلام فأسكتتها، قالت أحلام:

الأفضل عدم وجودها بيننا، نحن نحتاجها فقط لخدمة أمنا، إنها دائما ما تكيد المكائد وتثير المشاكل مثل تلك المشكلة التي أقامتها مع الجار ابن العم وجاءت زوجته هدية تصيح فينا تلك الحاقدة الغيلانية..

رحت أركض بجنبات الحجرة اتشقلب على جانبي، ضربت بقدمي الأرض، أطير ويصطدم رأسي بالسقف أضحك وأنفخ في الحضور مهلِلاً طالبا المزيد.. أوسوس لكامل ثم أجلس خالفا ساقا فوق الاخرى واستمع:

كان أبونا طيب بزيادة ترك حقه في البيت لعمنا ولم يراعي حقوقنا، ألم تروا حجم فناء بيته الكبير عن بيتنا ، لقد أخذ الله حقنا، فبعد سنوات عدة أضاع فيها ابن العم وزوجته أموال كثيرة على تعليم أبنائه في مدارس باهظة الثمن، لم يحصلوا على درجات تمكنهم من الإلتحاق بكليات القمة، وها هم الآن في كليات عادية.. أجاهد ليكون أبنائي أفضل من أبنائه..

دخل عزيز إبن العم، القى التحية وكنت أنا أول المرحبين.
استقبله كامل بالترحاب والسؤال:

مرحبا بك ابن العم، ما حالك وحال زوجتك؟

_ طين وأطران فهي ما زالت تصرخ كالمجنونة لا تكف عن طلب المزيد، إنها تكره أبنائها لا تحب إلا نفسها، تعشق المال ولا تحب سواه، وأنا لا أعرف ماذا أصنع لها، تلك المغرورة البشعة، وأمها العجوز الشمطاء لا تكف عن إيذائنا.

العجوز: ما لي أراك غاضبا؟

عزيز :كنت في مجلس العمدة عندما دخل أحدهم يعرض مشكلته، تدخلت أنا لحلها فإذ به يسألني من أنت! ألم يعلم من أنا، هذا الكلب ابن الكلب، أنا الكل يعرفنى ولا تخطئني عين، أنا فضل أبي وأجدادي عليه وعلى أهله وقريته بحالها، ما كان علي إلا أن أهدرت كرامته بالأرض أمام الجميع..

دخلت حنين زوجة عزيز، استقبلها بابتسامة أخفى وراءها غضبه منها، قالت أحلام مرحبة:
مرحباً بكِ، حالاً كنا نتكلم عنك وعن ذوقك وأناقتك كم أنت جميلة دائما..

العجوز:
أنت أحلى وجه دخل عائلتنا ولم يأت بعدك من يفوق جمالك حتى الآن..
حنين: شكراً، أعلم مدى تقديركم لي وأحبه، ما حالك يا ابنة عم زوجي وكيف حالك يا زوجة عم زوجي؟

أحلام:
كلنا بخير، ما بال عائشة سلفتك لم تأت معك؟

وعرضت عليها فأبت قالت أنها لا تحب المجيئ إلى هنا فتركتها وأتيت أنا.

احلام:
تلك المتكبرة المغرورة دائما ما تتعالى علينا، تنام ليل نهار ولا تقوم بواجبات منزلها يتركها زوجها بلا حساب ولا عقاب يسمع كلامها في كل شئ ولا يعطل لها حال.

انتقلت لأذن العجوز، استجابت على الفور، نظرت لعزيز وقالت: أخاك طيب بصورة مبالغ فيها، ارجع وحرضه على زوجته عسى أن يأخذ منها موقفا يخضعها لنا، علّه لا يكون مثل ابن العم بكر والذي اغترب لسنوات وترك البلدة من اجل المال ، لا يستطيع مخالفة أمرا لزوجته فهي تربطه من عنقه بحبل تمسك بطرفه وتحركه كالدمية كيفما تشاء.

رحت اطير مهللا واصيح، المزيييييد…
نفخ عزيز سيجاره وقال بحدة:
عائشة زوجة أخي تلك مغرورة متعجرفة، أنا أكرهها وأكره عائلتها القذرة، أبوها يمتلك سيارة قديمة خربة لا يريد تغييرها بأخرى حديثة لكي يرفه عن نفسه، ابنته زوجة اخي تلك أكلت هي وأبنائها محصول المانجو بالشجرة الموجودة بحديقة المنزل كله لم تترك لنا شيء منه، حتى فطائر العيد التي نوزعها على الفقراء طمعت في بعضها لنفسها.

تغيرت نبرة صوت عزيز قال حاقدا:
دائما ما أسمع ضحكاتها مع أخي في مسكنهم بالطابق العلوي ، تقتلني دبدبات أرجلهم على السقف والتخبيط بأصوات الأواني ليلاً وهي تعد له العشاء، وعندما أسأل اخي في الصباح عن تلك الدربكة التي تسري من مسكنهم ليلاً يقول:
لاشئ، لا عليك، لا تشغل بالك بنا.
يحبها ولا يكسر لها خاطراً ولكني لن أكِل حتى أكشف خداعها أمام الجميع تلك الأفعى ..

كنت فرحا منتشيا بما وصلت إليه من نتائج مرضية، اتشقلب في الهواء، أسير على يداي، تحمست بشدة عندما شاهدت
بهية ابنتها بملابسها مبللة، تقتحم الحجرة، صرخت في وجه أمها قائلة: ألن تكفي عن تشجيع زوجة ابنك البكر علينا؟
العجوز: ماذا فعلت؟
تمايلت بهية في غضب، صاحت:
تفعل ما يحلو لها، جائت من السوق بكل أنواع الخضروات بكميات كبيرة تحفظها في ثلاجتها للموسم القادم، قولت الخادمة أنها تملك أقفاص من الطماطم في حجرة الطعام الخاصة بها وتقفل عليها مخافة أن يشاهدها أحد فهي لا تحب أن نتدخل في شؤونها أو أن نعرف عنها شيء، تلك المفجوعة تأكل دجاجة كاملة وحدها قبل أن يأتي زوجها من العمل وعند مجيئة تضع الطعام ولا تأكل منه إلا القليل وعندما يسألها أخي تقول في دلع: مالي نفس له.. تكمل بهية: يحبها أخى ولا يقدر على بعدها أنت من دللته بهذا الشكل ليصبح خاتما بيد زوجته ويعينها علينا..قالت العجوز: مازلت لم تخبرينا ما ألم بك منها؟
استجمعت كل قوتي وانا انفخ بأذن بهية، أراها والشرر يتطاير من عينيها، اذكرها بأحداث مضت، اعيد عليها حواديت انتهت تسترجعها وتحكيها ثانية أمامهم، واستمرت حكايات بهية لم تمسك عن الكلام حتى استشاط الجميع غضبا من أمينة زوجة أخيها البكر، قالت:
أمسكت بخرطوم الجنينة وفتحته على أبنائي، بللت ملابسهم ولم تكتفِ فهي إلى الآن تسب وتلعن بألفاظ بذيئة وابنك بحجرته يسمع زوجته ولا يقول لها عيب، بل تركها تفعل بنا ما يحلو لها، انظري الى ملابسي الغارقة بالماء.
صمتت بهية أخيرا، والتفت لعزيز مبتسما، انتظر ما سوف يقول دون احتياج لمساعدة مني، قال وكان قد ملأ وجهه الحقد:

تلك الزوجة الناشز زوجة أخيك، لابد من تأديبها تلك القذرة قليلة الأصل، أبوها يشبه بائعي الخضار في سوق الحي كما تقول زوجتي الحبيبة بالفعل..

حنين :
ألم أقل لك زوجي العزيز عندما رأيتها أول مرة فطنت أنها لا تليق بعائلتكم، فليس في مظهرها شئ من الرقي..

عزيز:
أعلم حبيبتي أنك دائماً على حق.

فاحت رائحة كريهة بالمكان، راحوا يشمشمون أنفسهم يلتفتون لبعضهم، ازدادت الأقاويل، رأيتهم وقد تمايلوا في شكل غريب، مالت أكتافهم اليسرى عن اليمنى، اثقلته الذنوب والآثام، صرت اتهلل منتشيا، ضحكت بشدة وأنا أرى الملاك يكتب كل حرف وقد امتلأ دفتره ويطلب غيره جديد فيمتلئ.
لم تكتف حجرة العجوز بل إنها تسعى لجذب المزيد، ضيف نسيب، أحب مجلس العجوز واعتاد زيارتها، تمايلت العجوز مرحبة به ويرد التحية بمثلها، تعجب ماهم عليه قال:
؟ ما بكم تتمايلون
اهتزت العجوز تقاوم التمايل وقالت:
لا عليك ما أنت عليه الآن هو العجيب ألا ترى هيئتك تختلف عنا جميعاً! إذا أنت هو الغريب بالمكان..
قال الضيف متعجبا:
ما أنا عليه هو الطبيعي أما ما أنتم عليه، مختلف حقاً..
العجوز:
إذا عليك أن تكون مختلفاً مثلنا..
قال الضيف مرحبا:
ما علي أن أفعل لأكون مثلكم
العجوز:
لا عليك، اجلس معنا فقط وسوف ترى كيف تسير الأمور لتصير شبهنا.

اصابتني هستيريا ضحك متقطعة وانا استمع للحوار، ارتويت بشغف الضيف للاختلاف، وثملني الرد الموجز من العجوز، حتى دخلت الحجرة الخادمة، فقت وانشرح قلبي عند رؤيتها، فهي من اتباعي منذ سنين، ناقلةً للأخبار من الخارج لحقتها العجوز:
اجلسي يا انيسة واخرجي ما بجعبتك..
راحت أنيسة تقص حكاياتها الشيقة محاولة إرضاء سيدتها فهي تعلم حبها للنميمة:
أتعرفون فلان، لقد طلق امرأته بعد أن أثارت مشاجرة كبيرة بينه وبين أهله واستحالت العشرة بينهم، شهرت بها حماتها في مجلس الطلاق فقالت ان عندما دخل عليها ابنها منذ عام لم يجدها بكرا، اما الزوج فيدعي العوز، ويسعى ليحصل على شهادة فقر من الدولة تمكنه من التملص من دفع النفقة.. أما عِلان، نصبت له امرأته قضية عند العمدة حضرها أهله وأهلها وناس غرباء حكت أمامهم أنه لا يصلح للزواج فهي زوجته منذ عام مضى وما زالت عذراء بالرغم من كل ما فعلته معه.. ضحك الجميع وقال الضيف مشاركا:
وماذا عن ذلك الفتى الذي فضحته امرأته في العلن فحكت عنه ما يفعله في السر بينهما؟

الخادمة:
_ قالت امرأته…

أكملت الخادمة حكاياتها الشيقة، كنت أتنقل بينهم اوسوس بالأذان، تعلو الضحكات وانظر للضيف اراه وقد مال مثلهم، نظر إليه الجميع واسعدهم هيئته فلم يعد مختلفا عنهم، كان الضيف سعيدا بنظرات الرضا بأعين الحضور له رغم الألم الذي أصاب كتفه الأيسر.
ظلت آتيهم من خلفهم وعلى جوانبهم، اشتم الروائح تفوح بأسرار البيوت، ازداد تمايل الحضور على يسارهم، أحسوا بالألم، الأحمال أصبحت ثقيلة لا يستطيعون رفع أكتافهم ..
وفي تلك اللحظات الفارقة دخلت زهيرة زوجة كامل، عائدةً من زيارتها لأمها، استقبلها الحضور بالترحاب والسؤال عنها وعن أمها، قالت أنها عائدة وقد حملت الكثير من الأخبار، نظرت للعجوز وقالت:
بادئ الأمر، اشكو لكي عائشة زوجة ابن عم زوجي وها هو سلفها عزيز جالس بيننا أحكي أمامه حتى يعلم بفعلتها فقد ذهب أبنائي إلى مسكنها يوم أمس ارادوا اللعب مع أطفالها فأبت أن تسمح لهم بالدخول، أما هدية زوجة الجار ابن العمة، لم تعزم عليهم بالطعام وكان أمامهم واشتهوه فهم أطفالا، غير أن ابنتها المتوحشة تلك، قضمت ذراع ابني حتى أزرق، وزوجها لم… قاطعتها العجوز:
ألم تعلمي أن أبنائك يتضورون جوعا؟ فأنت خارج البيت منذ الصباح، اذهبي واحضري لهم الطعام..
لم تعير زوجة كامل اهتمام لقول العجوز أردفت قائلة: ليس إلا بعد أن أحكي لكي ما فعلته رهف سلفتى الصغرى..
كنت جالسا استمع للحوار منتشيا، لا تحتاج زهيرة أي مساعدة مني، كانت تتحدث بسرعة وطلاقة عاهدتها منها دائما، أنصت لها بفخر يعجبني طريقة حكيها، حاجبيها يتحركان لأعلى وأسفل تمصمص شفتيها بعد كل حكاية فتصدر صوت يدغدغني، أثني عليها وأقول مشجعا، راااائعة انتِ حقاً.
انقطع الكلام حين دخلت عليه تلك التي اكرهها مازلت لم اجد طريقا للدخول الها، سألوها عن حالها قالت:
نحمد الله لا شيء جديد فكلنا بخير..
العجوز: ليس مثلك أحد فأين عائشة تلك المغرورة منك، أنت تأتي لزيارتنا أما هي متكبرة مغرورة لا تحب مجالستنا..

_مالي شأن بها، إنها في حالها لا تحب الاختلاط، وأنا أحترم رغبتها.

العجوز: أتعلمين أنها لا تهتم بعمنا العجوز بالبيت المقابل لبيتها.
هزت علية رأسها في رفض، وكنت احاول الوسوسة لها، سمعتها تستعيذ بالله، ابتعدت عنها وبقيت بأخر الحجرة انتظر ثقب أدخل لها منه، حين أكملت العجوز:
ابنتي الحبيبة بهية هي من ترسل له الطعام كل يوم، يحكم عليها زوجها بالطهي من أجل ذلك العجوز البخيل إنها تحمل العبء كله وحدها..
قامت علية من المجلس بعد أن نبهت العجوز لأن ما تقوله هو من الشيطان، وتلك الأحاديث تحملها وزر كبير، قالت انها السبب في أشكالهم المائلة الغريبة، سيسألون عليها أمام الله.
تركت علية حجرة العجوز بما فيها من سيئات، وخرجت وكنت أقف مشدوها خائفا أن يضيع مجهودي وتعبي بسبب تلك المرأة، تنهدت الصعداء عند ذهابها، وغضبت العجوز والجالسين وعدت أنفخ في أذانهم وبدأ الحضور في السخرية منها، عادوا يثقلون أكتافهم أوزارا، كثر الكلام وعلت الضحكات، عاد الحديث عن أمينة زوجة الابن الأكبر وصموها بالبخل والمرض، قالوا إنها لا تطعم أطفالها، دائما ما تُشعل مصباحاً واحداً في وسط البيت أما أطرافه، معتمة مظلمة.. تمايلت زهيرة زوجة كامل، عوجت فمها في سخرية من سلفتها رهف، قالت: عرضت عليها يوما ان تحتفظ لي ببعض صغار الأوز في الحجرة الموجودة بفناء دارها، رفضت وقالت ان الحجرة ملاصقة لغرفة نومها ولا تريد أن يزعجها أصواتهم ورائحتهم الكريهة كل يوم باكرا..
بهية:
تلك النتنة، تنام للظهيرة ولا ترتب حالها جيدا، أرسلت للخادمة يوما وطلبت منها أن تعينها لتنظيف بيتها، انتظرت عودة الخادمة لتحكي لنا ما رأت، لكنها رفضت، قالت ان رهف أقسمت عليها ألا تحكي شئ عند خروجها من بيتها.

تجاوز الحضور حد الكلام، قام أحدهم بمهمة تمثيل أحد الأشخاص الغائبين، قلد طريقة كلامه ومشيته وضحكته..
مالت الأكتف حتى كادت أن تلمس الأرض، اشتدت دبدباتي وصيحاتي من فرط النشوة، يسمعونها فكان صوتي يسري بينهم دون أن يشعرون بي وكأني واحد منهم.. كانوا يتفاخرون بأنسابهم يزعمون أن نسلهم العريق لا يضاهيه أحد.. يستهزؤون بالأنساب لمعارفهم ، راح عزيز يسخر من جاره عمار قال أن أمه كانت خادمة بدارهم واليوم يرتدي الجلباب والقفطان، استرسل، قال: ألا يتذكر حال جلبابه البالي قديما كنت أعطيه من ملابسي عطفا عليه إبن خديجة.

ضحك الجميع في سخرية، رحت انفخ بأذن كامل، قال:
دعانا الجارعلى فرح ابنه سوف يتزوج من القرية المجاورة، يمتلك ابو عروسه أطيان كثيرة، دائما ما يسعى وراء المال.
عزيز :
اذا سوف تكون ليلة نأكل فيها حتى الصباح لنرى ماذا ستطبخ لنا زوجته نادية، منذ يومين قابلت ابن اختها، أقلته معي بالسيارة كان في زيارة لخالته، يعمل بجهة مرموقة دفع أباه كثيرا حتى يصبح في هذا المكان اعرف اصله الدنئ، لا أعرف كيف اتى بكل هذا بالمال ابن تحية..
احلام :
رأيتم ماحدث لجارنا محسن، احس بالتعب ليلا واخذته امرأته للمشفى دون أن تبلغ إخوته، ازداد التعب عليه وتوفى بها
عزيز:
زوجته هذه لاتحب اخوته انا على يقين انها السبب في موته، بالتأكيد أن تكون افتعلت معه مشاجرة مرض على أثرها ولم تبلغ اخوته بسبب ذلك..
فرحت جدا لما قاله عزيز فقد امتلك عقل فريد جعله يرجح ما حدث لجاره محسن ويتهم زوجته في موته، لم استطع يومها السيطرة على نفسي من شدة الضحك فوقعت على الأرض..
انتبهت للضيف ورأيت بعينه رغبة في الحكي وكان لسانه ثقيلا بعض الشيء وساعدته،قال:

ذهبت لابارك زيجة ابنة الخالة فايدة، قبل أن أتي لزيارتكم، بيتها سئ لا تهتم بنظافته، قدموا لي من كعك العرس، كان مذاقها سئ للغاية، تحاملت على نفسي وأكلت منها قطعة صغيرة لإرضائهم ولم استطع اكمالها ..

حنين :العروس كانت تتزين بشكل قبيح وفستانها لم يكن لائق :
زهيرة : ارئيتم ابنة خالتها حين كانت ترقص، يهتز جسدها بالكامل فهي تحمل الكثير من اللحم..

بهية…
أنيسة…
أحلام….

ازدادت الآلام، وتحولت الضحكات إلى صراخ.. كنت أقفز لأعلى تصطدم راسي بالسقف وأصيح في انتشاء، أظهر بجسدي أمامهم ولا يروني، أعينهم تنظر للأسفل وأكتافهم تلمس الأرض، لا يستطيعون حملها، أنفخ بالحجرة فأصدر صوتاً مع ريح وصل للنار بمصباح الجاز المعلق بأحد الأركان، توهجت النار به وأمسكت في الستائر، اشتعلت الحجرة وازدادت الصرخات، حاولوا الهروب، راحوا يحبون على جوانبهم حتى وصلوا إلى الباب، حاولوا فتحه ولكن أيديهم لم تصل الريتاج.. انقطعت الصرخات وخمد الحريق بعد أن أصبح الكل رمادا

ادرت يومها الحجرة بشكل رائع فخرت به، كنت اصفق كل دقيقتين، أصيح بأعلى صوتي.. رائع وووون، انفخ بأذانهم ليستمروا، وكانت نفخة بسيطة لا أحمل فيها عناء تفعل فعل كبير بهم.

أضيأت الأنوار بعد أن أنهى الشيطان حكايته، ظهرت السماء وقد امتلأت بالحضور من الشياطين من تلاميذه، نظر ادم وهاله مشهد الأعداد الغفيرة تهلل وتصفق بحرارة لكبيرهم، رافعين الشعارات المعادية للإنس يهتفون بحدة: الجحيم لبني آدم.

شاهد أيضاً

الجمعة المقبل.. افتتاح جناح سلطنة عُمان في بينالي البندقية الدولي للفنون 2024

عدد المشاهدات = 3122 مسقط، وكالات: تشارك سلطنة عُمان يوم الجمعة القادم بجناح في الدورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.