يراودني التساؤل عن الحال الذي آل إليه غالبية البشر، مرحلة انتقالهم من حالة الإنسان صاحب المشاعر- المتأثر بكل ما حوله ، الإنسان الذي تحركه العواطف والإنفعالات والحماسة – إلى تطورهم لمرتبة الآلة التي تدور بتعليمات من الكتالوج.
أتحدث عن نمط من البشر لا يهزه من الدوافع سوى الدافع المادي، وحتى الدافع المادي قد يكون بالنسبة له كمؤشر الترمومتر يرتفع تارة أو يستكين عند درجة معينة تارة أخرى، حتى يبلغ حد اللا دافع ، يتحرك بلا هدف وبلا خطة وبلا انفعالات ، كل الاحتمالات لديه سواء، لا يفكر في حياته وبالأحرى مهامه إلا على أنها فروض مُلزمة ، يؤديها بصورة تعسفية الغرض منها مسايرة الحياة وكفى؛ فيغيب عنه الطموح وما يتبعه من عدم شعوره بقيمة ما يؤديه مما يُفقده القدرة على استمتاعه بما يفعل؛ فينظر إلى كل شئ من حوله على أنه بلا فائدة ، بلا تأثير؛ لتكون حصيلته أعمال منتقصة على الدوام، يتمثل الغرض منها إثبات تنفيذها سواء بمستند رسمي أو بالصور أو بشواهد الحضور.
هذا النمط الآلي من البشر لا يهدف لاكتمال المهمة ولا يهتم بما ستؤول إليه من غاية، الأهم بالنسبة له هو تطبيق خطوات التنفيذ فقط مع غياب مشاعر الحماسة والتحدي وإثبات الذات، أمور باتت مهملة بالنسبة له لا يحصد من ورائها إلا بذل مزيد من التعب والتضحيات لأجل مساع هو لا يؤمن بها من الأساس ولا يختمر عقله بأثرها على المجتمع مهما بلغت بساطتها.
وإن كان الغرب يبحث اليوم كيف يبعث المشاعر الإنسانية بالآلة، فإننا نري في بلادنا العربية صور انتزاع المشاعر من الإنسان ليصير آلة فاقدة للشعور، فاقدة للمرونة، للغاية ، للمثابرة ، للأمل، ومن ثم فاقدة لأي معنى للحياة.