بقلم: صابر الجنزوري
نحن في حاجة إلى إعادة قراءة بل وتصحيح للتاريخ القديم والحديث معًا.
لا أقول أن التاريخ قد تم تزويره بالكامل، بل تم اختراقه وتشويهه، خاصة تاريخ الحضارة المصرية القديمة.
هناك فجوة زمنية بين تاريخ ما قبل طوفان نوح والعمر الزمني لتلك الفترة. وهناك آثار يُعتقد أنها تعود إلى ما قبل الطوفان، ومنها الأهرامات التي يرى البعض أنها بنيت قبل الطوفان حسب السرديات الدينية وليس بعده حسب النظريات والمعلومات الأثرية.
إن الذين روَّجوا أنها بُنيت بعد الطوفان هم من يزعمون أنهم بناة الأهرام، ويُشار إليهم في المقال بـ “الصهيوماسون”، الذين زيفوا وطمسوا الحقائق.
هم أيضًا من جعلوا فرعون الخروج من سلالة الهكسوس، لأنهم يرون أن الهكسوس هم أصلهم. ولو قرأنا في سفر الخروج لديهم، لوجدنا أنهم يطلقون على ملك مصر في زمن النبي يوسف لقب “فرعون”، بينما القرآن الكريم يميّز بينهما، حيث ذكر “الملك” في زمن يوسف، و”فرعون” في زمن موسى.
وهنا نشأ صراع بين نظريتين:
1.نظرية الملك والهكسوس في زمن يوسف، فالزمن كان اثناء غزو الهكسوس ، وفرعون الخروج فرعون موسى لم يكن من الهكسوس وكان من الرعامسة.
2.نظرية الهكسوس في زمن موسى و فرعون اسم لا لقب فكان فرعون الخروج هكسوسا؟!
علماء الآثار يميلون إلى النظرية الأولى ، على افتراض وجود الهكسوس في الأسرة الخامسة عشرة/السادسة عشرة تقريبًا، وهو ما قد يتوافق مع زمن النبي يوسف.
وبالتالي، فإن زمن فرعون موسى يُرجح أن يكون في فترة الرعامسة، بدءًا من الأسرة التاسعة عشرة، أي قبل حوالي 1200 إلى 1500 عام قبل الميلاد تقريبًا (تبعًا للاختلافات في التسلسل الزمني).
في هذا السياق، يرى البعض أن رمسيس الثاني هو من اضطهد بني إسرائيل واتخذهم عبيدًا. ولذلك، زعم البعض أن الماسون شوهوا صورته.
علماء الآثار يرجحون أن رمسيس الثاني هو من ربّى موسى، لكنه ليس فرعون الخروج. أما فرعون الخروج فهو غالبًا مرنبتاح (الابن الثالث عشر لرمسيس الثاني، بعد أن مات أبناؤه الاثنا عشر قبله).
لقب “فرعون” والملك أوزير
مسألة “فرعون” كـ لقب وليس اسمًا لا تزال محل خلاف.
كونه لقبًا يؤيده أصحاب نظرية الملوك الفراعنة، حيث أن الكلمة (بر-عو) كانت تعني القصر أو البيت العالي (المقر الملكي).
يشير المقال إلى أن هذا اللقب (بر-عو) أُطلق على أول ملك مصري: أوزير (أو أوزوريس) قبل الطوفان.
وهنا نتوقف كثيرًا عند أوزير، حيث يُقال إنه قد يكون هو نبي الله إدريس عليه السلام (المعروف أيضًا بـ أخنوخ في التوراة، بمعنى “أخ نوح” أو “قبل نوح”).
يُقال إنه أول من مسك وعلم بالقلم، وعلم الطب والفلك، وفي قوله تعالى: ﴿وَرَفَعۡنَٰهُ مَكَانٗا عَلِيًّا﴾، قيل إن الرفع ليس بالضرورة إلى السماء، وربما كان يشير إلى منصب أو مكانة عظيمة، أو حسب نظرية غريبة، إلى بداية بناء الأهرامات في عهده (نظرًا لوجود روايات تاريخية إسلامية تنسب بناء الأهرامات إلى إدريس عليه السلام لتخزين العلوم قبل الطوفان) وهذا عكس النظرية الأثرية التي تقول ببناء الأهرام في عصر الأسرة الرابعة او الخامسة ٢٥٠٠ عام قبل الميلاد.
الفجوة والحلقات المفقودة
لا شك أن هناك فجوة وحلقات مفقودة في التاريخ.
لو كان بين النبي إبراهيم وموسى حوالي ١٠٠٠ إلى ١٢٠٠ عام (كما يُرجح بعض المؤرخين)، فمن المرجح أن يكون زمن الرعامسة (وخاصة مرنبتاح) هو فرعون موسى، على فرض حساب فترة زمنية قبل الميلاد تصل لأكثر قليلاً من ألف عام.
وبالتالي، يمكن أن يكون زمن الهكسوس في عهد يوسف، حيث تكون الفترة بين إبراهيم ويوسف حوالي 300 إلى 400 عام، وبالتالي يتوافق زمن الهكسوس مع الأسرتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة تقريبًا.
يتساءل علماء الآثار: ما العيب في أن يكون “الفراعنة” هو لقب لملوك كثيرين من القدماء المصريين؟ فهل يضر فرد فاسد (مثل فرعون موسى) أمة بأكملها؟ أو لم يعبد العرب الأصنام وتعبد قريش الأوثان حتى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؟
نصل الآن إلى المعنى الأهم من هذا المقال: وهو أن الذين شوهوا التاريخ وصنعوا هذه النظريات هم أصحاب مصلحة، ويُتهمون بكونهم الصهيوماسون (أحفاد الهكسوس قديمًا) الذين يسعون لطمس الهوية المصرية.
المشكلة تكمن في أننا ننساق وراء كل ما يتم ترويجه وننشر دون قراءة أو بحث. وقد يقع المرء في خطأ مشابه، مثل تأييد نظرية أن فرعون اسم وليس لقب، وبالتالي وضع النبي موسى في زمن الهكسوس وليس في زمن الرعامسة.
رغم كل ذلك، فإننا كمصريين علينا أن نعتز ونفتخر بهويتنا المصرية وملوك الحضارة المصرية، سواء كان لقبهم الفراعنة (وهو لقب ميزهم وتم تشويهه بفعل من اضطهدهم الفرعون وأذلهم وجعلهم عبيدًا لما فعلوه بمصر في زمن قبله؟!)، أو قدماء المصريين. فكل الألقاب والأسماء لا تُنقص من حضارة علّمت العالم في كل المجالات: العلوم، الفنون، الزراعة، الفلك، إلخ.
من أجل ذلك، أقول إننا نحتاج إلى إعادة قراءة وتصحيح للتاريخ من جديد.. وبين السرديات الدينية والمعلومات الأثرية وعلماء الأثار ودارسي الأثار فمن يصحح التاريخ؟
———————-
* صابر الجنزوري.. كاتب وأديب مصري في الشعر والرواية والقصة القصيرة
حياتي اليوم صحيفة إلكترونية يومية
