السبت , 20 أبريل 2024

أخطاؤنا في الصلاة (4)

= 1153


بقلم الشيخ: أحمد الفقيهي

ما بالُ أقوام يَجهرون بنيَّاتهم عند ابتداء الصَّلاة، يقول أحدُهم: نويت أن أصلِّي كذا وكذا، وفئام منهم لا يَجهرون بالنيَّة لكن يتلفَّظون بها سرًّا، وهذا كلّه من البدع المنكرة؛ لأنَّ النّيَّة محلّها القلب، وليستْ من أعمال الجوارح، وهي سهلة وترْكها هو الشَّاقّ، فإذا توضَّأ المسلم وخرج من بيتِه إلى الصَّلاة، فهو بلا شكٍّ قد نوى، ولم يأْت به إلى المسجد سوى نيَّة الصلاة، بل قال بعْض أهل العلْم: لو كلفنا الله عملاً بلا نيَّة لكان من تكليف ما لا يطاق.

ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: النيَّة تتبع العِلم، فمن علِم ما أراد فعلَه فقد نواه؛ إذ لا يمكن فعله بلا نيَّة، ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: كان صلَّى الله عليه وسلَّم إذا قام إلى الصَّلاة قال: الله أكبر، ولم يقُل شيئًا قبلها، ولا تلفَّظ بالنية ألبتَّة، ولا قال: أصلِّي لله صلاة كذا مستقْبل القبلة أربَع ركعات إمامًا أو مأمومًا، لم يَنقل عنه أحدٌ قطّ بإسناد صحيحٍ ولا ضعيف لفظةً واحدة منها ألبتَّة، بل ولا عن أحدٍ من أصحابه، ولا استحْسَنه أحدٌ من التَّابعين، ولا الأئمَّة الأربعة.

لقد أمر النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم بتسْوية الصفوف، وحذَّر العباد من مُخالفة أمره وترْكهم تسْوية الصفوف، فقال: ((سوُّوا صفوفَكم، فإنَّ تسْوية الصَّفِّ من تَمام الصَّلاة))؛ متَّفق عليه، وفي الحديث الآخَر قال: ((عباد الله، لتسوُّن صفوفَكم، أو ليخالفَنَّ الله بين وجوهِكم))؛ أخرجه الشَّيخان، وتسْوية الصفوف تكون بالتَّساوي، بحيث لا يتقدَّم أحدٌ على أحد، والمعتبر في ذلك المناكب في أعْلى البدن، والأكعب في أسفل البدن.

إنَّ تسوية الصّفوف في الصَّلاة واجبة على المأْمومين، وإنَّ جماعة المأمومين إذا لَم يسوُّوا صفوفَهم فهم آثِمون، كما رجَّح ذلك بعضُ أهْل العلم ومنهُم شيخ الإسْلام ابن تيميَّة رحمه الله تعالى وقد بوَّب البخاري رحمه الله في صحيحِه: "باب إثم مَن لم يتمَّ الصفوف".

إنَّ ممَّا عمَّت بها البلوى عباد الله ترْكَ تسوية الصفوف، فأحدُ المصلِّين يتقدَّم قليلاً عن الصَّفّ، وآخَر يبتعِد عن صاحبه، وثالث يفتح الفرج للشَّيطان، ولقد كان الصَّحابة رضِي الله عنهم يَحرصون على تسوية الصفوف في الصَّلاة، وكان عمر رضِي الله عنْه يوكِّل رجالاً بإقامة الصّفوف، ولا يكبِّر حتَّى يُخبَر أنَّ الصفوف قد استوت، وقد كان أنسُ بن مالك يُنكِر من يتهاون في تسوية الصفوف ويقول: لقد رأيتُ أحدَنا يلزق منكبَه بمنكب صاحبِه، وقدَمه بقدمِه، ولو ذهبت تفعل ذلك اليوم، لترى أحدَهم كأنَّه بغل شموس – يعني: ينفر من إلْصاق قدمك بقدمه.

يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى: إلْصاق القدَم بالقدم والمنكب بالمنكب لأمرين، الأمر الأول: تسوية الصفوف واستقامتها، الأمر الثَّاني: سدّ الفرج والخلل؛ وبذلك يعلم خطأ مَن فهم من فعل الصَّحابة أنَّهم يفرجون بين أرجُلهم حتَّى يلزق أحدهم قدمه بقدم صاحبه، مع تباعُد ما بين مناكبهم، فإنَّ هذا بدعة لا يحصل بها اتّباع الصَّحابة رضِي الله عنهم ولا يحصُل بها سدّ الخلل.

إنَّ الصِّبيان إذا تقدَّموا إلى مكان، فهم أحقّ به من غيرهم؛ لعموم الأدلَّة على أنَّ مَن سبق إلى ما لم يَسبق إليه أحد فهو أحقّ به، والمساجد بيوت الله، يستوي فيها عبادُ الله، فإذا تقدَّم الصبيُّ إلى الصَّفِّ الأوَّل وجلس فليكُن في مكانه، وأمَّا قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليلنِّي منكم أولو الأحلام والنُّهى))؛ أخرجَه مسلم، فمرادُه صلَّى الله عليه وسلَّم حثّ البالغين العقلاء على التقدُّم، لا تأخير الصِّغار عن أماكنهم.

اللَّهُمَّ علِّمْنا ما ينفعُنا وانفعْنا بما علَّمتَنا، وزدنا علمًا وعملاً يا ذا الجلال والإكرام.

أقول ما تسمعون عباد الله، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين، من كل ذنب وخطيئةٍ فاستغفروه.

عباد الله:

الصَّلاة في الإسلام منزلتُها رفيعة، ومكانتُها عظيمة، جعلها الإسلام في المرْتبة الثَّانية بعد الشَّهادة بالتَّوحيد والرسالة، وهي آخِر ما أوْصى به النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَّتَه، وهو في سكرات الموْت، حتَّى جعَل صلَّى الله عليه وسلَّم يُلَجْلِجها في صدْرِه وما يفيض بها لسانه؛ كما عند أحمد وابن ماجه.

الصَّلاة أيُّها المسلمون هي أوَّل ما يُحاسَب عليه العبدُ من عمله يوم القيامة، فإنْ صلحتْ قُبِل سائر عمله، وإن ردَّت ردَّ سائر عمله.

ألا فاتَّقوا الله عباد الله، أقيموا الصَّلاة كما أمر الله، واستنُّوا واقتدوا بسنَّة رسولِه تفوزوا وتُفْلِحوا.

ثمَّ صلُّوا على مَن أُمِرْتم بالصَّلاة والسَّلام عليه.

شاهد أيضاً

المفتي: دار الإفتاء تستقبل 5000 فتوى طلاق شهريا يقع منها واحد في الألف

عدد المشاهدات = 6858 أعلن الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أنه يأتي إلى دار الإفتاء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.