بقلم: عادل عبدالستار العيلة
تصادف أن جلس احد الاشخاص فى القطار وجلس بجواره فلاح مسنّ ولاحظ هذا الشخص أن الفلاح يمسك كيساً (شوالا) محكم الرباط من أعلاه وتصدر منه أصوات غريبة ، وخلال الطريق كان الفلاح ينحني ليقلّب الكيس ويخلط محتوياته كلّ ربع ساعة تقريبا ، واستمرّ على هذا المنوال طيلة الطريق وقد ادهش هذا الامر الرجل مما جعله يسأل الفلاح : ما قصة هذا الكيس؟!!..
أجاب الفلاح : أنا أقوم عادة باصطياد الجرذان والفئران من المزارع والحقول ، وأضعها في هذا الكيس ثم أبيعها وأوردها إلى المركز القومي للبحوث الزراعية ، لاستخدامها في التجارب المخبرية التي يجريها .
فقال : ولماذا تقلّب هذا الكيس وتهزّه بين الحين والاخر ؟!! ..
نظر الفلاح إليه وقال لو تركت الكيس دون تقليب وهزّ ستشعر تلك القوارض بالراحة والاستقرار، فتستكين الى الوضع الراهن وتتوقف عن التوتر الغريزي ، ولن يطول الوقت حتى يبدأ كلّ واحد منهم بقضم الشوال ومن ثم ثقبه والخروج منه ، لذلك أهزّه كل ربع ساعة كي أبعث خوفهم وأثير قلقهم وأبقيهم في توتر دائم واضطراب مستمر، فتنشغل بالعراك فيما بينها وتنشغل بخفض التوتر وتنسى هدفها الاصلي و ثقب الشوال ، وهكذا حتى أصِل بها مركز البحوث في العاصمة..
عقدت الدهشة لسان الرجل، وبدت عليه علامات الإعجاب بطريقة تفكيرهذا الفلاح «الأمّي» وحكمته وكيف اهتدى، دون أن يدري الى استغلال و توظيف أثر «التوتر الغريزي» وكيف نجح في «إشغال» تلك القوارض بعراك داخلي لتبديد طاقاتها وإلهائها عما يمكن أن يؤدي إلى خروجها من الاحتباس والاختناق ودفعها إلى التشاكس والتناحر داخل الكيس..
ايها السادة … اذا تأملنا تلك القصة واسقطناها على سياسات الدول الكبرى و حيلها وألاعيبها اتجاه مناطق (رخوة ) في العالم ، وكيف استطاعت توظيف «التوتر الغريزي» لدى البعض ليكون أداة تفقد الشعوب الشعور بالاستقرار والاطمئنان، وتسلب من الأوطان الأمن والأمان ، ويمكّن أصحاب المصالح (في الخارج والداخل ) وتجار الأزمات وأمراء الحروب من الاستمرار في «هز الكيس» كلما استقرّ ، باستخدام القوى الناعمة ( الاعلام بكل اشكاله ) وتحت شعارات مغرية براقة كالحرية ، والعدالة وحقوق الإنسان ، والديموقراطية ، ومكافحة الارهاب ، دون أن تنسى ارتداء ثوب الوطنية المزيف في بعض الأحيان !!.
في غياب الوعي الجمعي ، تنساق الشعوب إلى إغراءات تلك الشعارات فتسير خلف المتلاعبين بغرائزها ، وينسى الجميع أن النجاة والخلاص هما في « قضم الكيس وثقبه » .. كيسٌ يتشكل نسيجه من النعرات الدينية والخلافات المذهبية والمنازعات الطائفية والخصومات العرقية والعنصرية..
كيس يحكم رباطه الجهل والتخلف والأمراض الاجتماعية المزمنة والفساد والمصالح الفردية الضيقة.. كيس تُوجه فيه الطاقات المجتمعية إلى وجهات تتعطّل فيها القدرات الذاتية ، وتشلّ فيه المحاولات المخلصة والشريفة لمعالجة مواطن الخلل وبواعثها الداخلية..
ايها السادة … لن اكون مبالغاً اذا قلت انه من الواجب ان تدرس تلك الفلسفة في الجامعات وأقسام السياسة والإعلام وتوجيه الرأي العام ، فمتى يتغلب العقلاء على «التوتر الغريزي» ويتنبهون إلى حيل (الفلاح الدولي) أقصد المجتمع الدولي الذي يهز «كيس » مصالحه لتظل الدول والشعوب مشغولة بنفسها عن الاستعداد لصد المخاطر التي تهدد أمنها ومستقبلها ومصالحها الوطنية!!.
وهنا تأتي عبقرية الرئيس السيسى لانه ومنذ اللحظة الاولى وهو يحذر من من تلك الفلسفة و يقول ان قوتنا فى اتحاد الشعب وراء بلده وقيادته حتى لا يشغلنا اهل الشر عن هدفنا الرئيسى وهو بناء الوطن ومن قبله بناء المواطن.
حفظ الله مصر … ارضا وشعبا وجيشا وازهرا
————————————————————-
- كاتب صحفى … جريدة حياتى اليوم