بقلم صابر الجنزوري
****
مدخل
ماهي العفاريت الحمراء؟
العفاريت الحمراء عنوان
رواية للكاتبة والفنانة التشكيلية أميمة عبد العزيز ،، حيث قدمت فكرة جديدة من خلال خمسة فصول أو خمسة عنواين ،، كل عنوان حمل اسم ” العاصفة “
فكانت العاصفة الأولى ثم الثانية وانتهت بالعاصفة الخامسة ، في مئة وخمسين صفحة تقريبا.
وبناء على استخدام عنواين الفصول فإن ذلك يقودنا للفكرة الرئيسية التي تتضح من خلال السرد المميز المشوق حيث تتداخل القضايا البيئية والإنسانية مع البعد الاجتماعي والسياسي والفكري. فالرواية لا تكتفي بسرد الأحداث في سياق واقعي، بل تتجاوز ذلك إلى مستوى رمزي وفانتازي يجعل من الظواهر المناخية كائنات شبه أسطورية وهي
(العفاريت الحمراء)
التي عرفتها الكاتبة في سياق السرد بأنها ظاهرة البرق العنيفة والتفريغ الكهربي للشحنات الكهربائية في الغلاف الجوي للأرض والتى ينتج عنها كوارث بيئية وحرائق ونار حمراء ، ولكن هل هذا المعنى والتوصيف العلمي للعنوان هو ما تقصده أستاذة أميمة؟ أم أن هناك عفاريت حمراء أخرى ؟؟
هذا ما سوف نعرفه من خلال هذه القراءة المختصرة.

**
الجنس الأدبي للرواية
عادة ما نبدأ في قراءة وتحليل النص الأدبي بمعرفة الجنس الأدبي الذي تنتمي إليه الرواية وذلك بعد تناول العنوان الذي هو عند البعض أحد عتبات النص وعند البعض الآخر أحد التعريفات لمحيط النص الأدبي حسب تعريف الناقد والفيلسوف الكندي نورثوروب فراي في كتاب القصة والرواية والمؤلف.
والجنس الأدبي في رواية العفاريت الحمراء ينتمي إلى الرواية الإجتماعية التي يغلب عليها الطابع الفكري والفانتازي الذي أرادت الكاتبة أن تقدمه للمتلقي، من خلال شخصيات متعددة، وأحداث متشعبة تمتد عبر أزمنة وأمكنة مختلفة.
عناصر الرواية
تأتي الحبكة الروائية من أهم عناصر الرواية ، فنجد الكاتبة
تنطلق من أحداث معاصرة شبيهة بأحداث فترة وباء الكورونا في تداخل مع موجات الحر والإحتباس الحراري، والأزمات الاجتماعية التي تنشأ عن ذلك ، ثم تتصاعد الأحداث لتبلغ ذروتها مع ظهور العفاريت الحمراء كرمز للعاصفة المناخية المدمرة كما جاء في العاصفة الأولى ، حيث احتبس الناس في البيوت وانقطع التواصل مع العالم الخارجي.
فتظهر بطلة النص ( داليا ) التي تمثل الجانب التنويري والعقلي وترفض الخرافة والجهل التي يمثلها أحد أبطال الرواية المتمثل في شخصية الشيخ
( البنهاوي) ، فيجد المتلقي أنه أمام صراع الخير المتمثل في داليا وفريقها الذي منهم حبيبها ( صادق) والفريق الآخر فريق الشر المتمثل في البنهاوي وفريقه وجماعات الإستتابة التي تكفر المجتمع وتحاكمه وتستولي على أمواله ، والصراع يستمر إلى النهاية بين العقل والخرافة وبين العلم والجهل وبين التنوير والظلام.
فنرى الشيخ البنهاوي يفسر ظاهرة البرق والرعد والكوارث البيئية بأنها غضب إلهي ويبني على ذلك الخرافة واستغلال الدين في تحقيق تجارة رابحة وفتح قناة فضائية يحقق من خلالها ارباحا من تبرعات وتجارة في كل شيء.
بينما داليا تحارب تلك الخرافة بالعقل والعلم والتنوير وتحاول كشفه للناس الذين يرفضون العقل والعلم ويقبلون العيش تحت سطوة البنهاوي الذي يخوفهم بغضب الله عليهم.
هذا التضاد يخلق التوتر السردي، ويدفع القارئ إلى إعادة التفكير في العلاقة بين الواقع والعقلانية والخرافة والجهل وأزمة الوعي.
الشخصيات:
من أهم عناصر الرواية تأتي الشخصيات الروائية ، فنجد داليا: البطلة، مثقفة، عقلانية، تمثل العلم والوعي والتنوير.
صادق: يمثل الحب و الرومانسية والحياة العملية ويلتقي مع داليا في قصة حب رومانسية.
الشيخ البنهاوي: رمز الخرافة وتجار الدين، والذي لم يصل إلى التعليم الجامعي وعمل في أكثر من حرفة حتى سافر وتاجر بالدين وجمع ثروة طائلة ساعدته في تحقيق رغباته وشهواته .
النساء والجيران: يمثلون المجتمع التقليدي البسيط الذي يؤمن بالغيبيات لدرجة أنهم يصدقون الشيخ الدجال ويرفضون العلم والوعي.
شخصيات ثانوية مساعدة ، كأسرة صادق ، وإخوة داليا ..وزوجة البنهاوي وصهره والخادمات والراقصة التي تزوجها البنهاوي ليشبع نزواته …الخ
الشخصيات هنا رمزية أكثر منها نفسية، كل شخصية تجسد فكرة معينة ، رسمتهم الكاتبة ببراعة وذلك لكونها فنانة تشكيلية.
المكان والزمان
من أهم عناصر الرواية يأتي “الزمكان”
أو الزمان والمكان
الزمان في الرواية وأدإن لم تصرح به الكاتبة بشكل مباشر نجده في (سنوات كورونا، وما بعدها) مع إسقاط متخيل على المستقبل!!
المكان: نجد الحي الشعبي
والأحياء الراقية ومدينة القاهرة والإسماعيلية وبورسعيد التي يقيم فيها سالم أخو داليا المتطرف!! ، وبعد الدول مثل كندا التي هاجر إليها الطبيب ماهر أخو داليا.
الزمان والمكان ليسا مجرد خلفية، بل عنصران فاعلان في صياغة الأزمة الروائية.
اللغة والسرد
لغة الرواية فصحى بسيطة ليس فيها تعقيد ، لكنها مالت إلى التقريرية في بعض الفقرات وأخذت شكل المقال أحيانا.
وجاء
السرد مشوقا ، اعتمد على الوصف والحكي الطويل ، وكان ذلك على حساب الحوار الذي كان أقل كثيرا من السرد الذي أخذ مساحة كبيرة في الرواية.
الموضوع والفكرة
والنهاية
لعل الفكرة الرئيسية التي اعتمدت عليها الأستاذة أميمة عبدالعزيز في موضوع روايتها الرائعة العفاريت الحمراء ، هي تلك الفكرة العلمية التي تتناول
التغير المناخي والاحتباس الحراري ، فقد بنت الرواية على تلك الفكرة ، وعملت الأسقاط والرمز ، ثم قدمت
صراع العقل والخرافة
واستغلال الدين في زمن الأزمات.
كما قدمت فكرة القلق الوجودي
والوحدة والعزلة الوجودية التي عاشتها داليا التي آمنت
بالحب والعلم والتنوير
وأن العلم والتنوير لا بد أن ينتصر على الجهل والخرافة.
وقد حدث ذلك بالنهاية التي انتهي فيها البنهاوي نهاية درامية سينمائية ونجت داليا من براثن جماعات الاستتابة بعد خطفها وتوج الحب بينها وبين صادق في النهاية التقليدية السعيدة.
ختام
أخيرا وليس آخرا فإن
رواية العفاريت الحمراء تقدم فكرة جديدة غير نمطية وتقليدية وهي الكارثة المناخية و البيئية من خلال ظاهرة البرق وتفريغ الشحنات الكهربائية في الغلاف الجوي فيحدث الوميض القوي ويتسبب في كوارث بيئية كبيرة وكيف يؤثر ذلك على المجتمع و الوعي وكيف استغله تجار الدين في الترغيب والترهيب لتحقيق أهدافهم!
وهذا يجعلنا نتساءل:
كيف سيواجه الإنسان المستقبل إذا حدثت هذه الكوارث الطبيعة وساد فكر التطرف والتجارة بالدين؟
كل ذلك يحسب للكاتبة وللرواية على عكس ما يؤخذ عليها من
وجود تقريرية في بعض الفقرات والأحداث والإسهاب في الحكي في أحداث أخرى.
ونأتي الأن لإجابة السؤال الذي طرحته في مقدمة القراءة وكان : هل “العفاريت الحمراء”
هي تلك الظاهرة المناخية فقط أم كان هناك عفاريت حمراء أخرى ؟
الإجابة بعد أن نقرأ كلمة النهاية
تقول أن ” العفاريت الحمراء ”
هي رمزية قدمتها الفنانة التشكيلية أميمة لكل هؤلاء الظلاميون وأصحاب الفكر المتطرف وتجار الدين والتجارة بأعضاء البشر والإعلام الفاسد الذي يقدم من خلال القنوات الفضائية الدجالون والمتطرفون مثل البنهاوي وجماعات الاستتابة ، ولو نظرنا لأبعد من ذلك فإن العفاريت الحمراء هي الدول التي تقتل البشر وتجوعهم وتشردهم وتغير في المناخ باستخدام التجارب النووية..
تحية وتقدير للكاتبة والفنانة التشكيلية الأستاذة أميمة عبدالعزيز على هذا العمل الأدبي والفكري الذي قدمت من خلاله كفنانة تشكيلية خمسة لوحات فنية وليس خمسة فصول أو عواصف رسمتهم بعناية وكأديبة مفكرة تنويرية ناقشت فكرة علمية وكذلك قدمت صراع العلم في مقابل الخرافة لتوقظ الوعي
في ظل مجتمع ما زال يؤمن بقداسة بعض البشر.
مبروك أستاذة أميمة وكل التمنيات الطيبة بدوام التوفيق والتألق والنجاح.
———————-
صابر الجنزوري
الأحد 7 سبتمبر 2025